والإسماعيلية وعلى المتكلمين، على بدعة فيه فيما قيل، ويغضب للكرامية، وكان يشرب النبيذ دائمًا، وتصرفه على الأخلاق الزكية، وكان فيه شدة وطأة على الرعية؛ ولكن كانوا في أمن وإقامة سياسة، ولازمه علة نحو ثلاث سنين، كان يعتريه إسهال، ولا يترك الركوب والسفر، قبض وهو في مجلسه ودسته ما وضع جنبه، ولما احتضر، قال لوزيره: يا أبا الحسن: ذهب شيخكم. ثم مات يوم الخمسين لتسع بقين من ربيع الآخر، فكتم موته، ثم فشى، وأتى ابنه السلطان محمد من الجوزجان، فوصل في أربعين يومًا.
كان السلطان محمود ربعةً، فيه سمن، تركي العين، فيه شقرة، ولحيته مستديرة، غليظ الصوت، وفي عارضيه شيب. وكان ابنه محمد في قده، وكان ابنه مسعود طويلًا.
قال محمود يومًا للأمير أبي طاهر الساماني: كم جمع آباؤك من الجوهر؟ قال: سمعت أنه كان عند الأمير الرضي سبعة أرطال. فسجد شكرًا، وقال: أنا في خزانتي سبعون رطلًا.
وكان صمم على التوغل في بلاد الخانية، وقال: معي أربع مائة فيل مقاتلة ما يثبت لها أحد. فبلغه أن الخانية قالوا: نحن نأخذ ألف ثور تركية؛ وهي كبار ضخام، فنجعل عليها ألف عجلة، ونملؤها حطبًا، فإذا دنت الفيلة، أوقدنا الحطب، فتطلب البقر أمامها، وتلقي النار على الأفيلة وعلى من حولها، فتتم الهزيمة، فأحجم محمود.
وكان يعظم الميمندي كاتبه، لأنهم لما نازلوا مدينة بيدا، حصل السلطان وكاتبه في عشرين فارسًا فوق تل تجاه البلد، فبرز لهم عسكر أحاطوا بالتل، فعاينوا التلف، فتقدم كاتبه، ونادوا الهنود، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا محمود. قالوا: أنت المراد. قال: ها أنا في أيديكم، وعندي من ملوككم جماعة أفدي نفسي بهم، وأحضرهم، وأنزل على حكمكم. ففرحوا، وقالوا: فأحضر الملوك. فالتفت إلى شاب، وقال: امض إلى ولدي، وعرفه خبري. ثم قال: لا! أنت لا تنهض بالرسالة. وقال لمحمود: امض، أنت عاقل وأسرع. فلما جاوز نهرًا، لقيه بعض جنده، فترجلوا. وعاين ذلك من فوق القلعة، فقالوا لكاتبه: من رسولك؟ قال: ذاكم السلطان فديته بنفسي، فافعلوا ما بدا لكم. وبلغ ذلك بيدا، فأعجبهن وقال: نعم ما فعلت، فتوسط لنا عند سلطانك. فهادنهم، وزادت عظمة الميمندي عند محمود، حتى إنه زوج أخاه يوسف بزليخا ابنة الميمندي، ثم في الآخر قبض عليه، وصادره، لأنه أراد أن يسم محمودًا، ووزن له ألف ألف دينار، ومن التحف والذخائر ما لا يوصف بعد العذاب، ثم أطلق الميمندي بعد وفاة محمود، ووزر لمسعود.
أحضر إلى محمود بغزنة شخصان من النسناس من بادية بلاصيغون؛ وهي مملكة قدرخان، وعدو النسناس في شدة عدو الفرس، وهو في صورة آدمي، لكنه بدنه ملبس بالشعر، وكلامه صفير، ويأكل حشيشًا، وأهل تلك البلاد يصطادونهم، ويأكلونهم. فسأل محمود الفقهاء عن أكل لحمهم، فنهوا عنه.