للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقد رعى سلاطين المماليك النشاط العلمي، فأنشئوا المدارس، فضلا عن المؤسسات الأخرى التي قامت أحيانا بوظيفة المدارس مثل المساجد. والمعروف أن السلطان صلاح الدين عني عناية خاصة بإنشاء المدارس وأنشأ بعض المدارس الشهيرة مثل المدرسة الناصرية والمدرسة الصلاحية والمدرسة القمحية. ولكن إذا كان صلاح الدين وخلفاؤه من بني أيوب قد استهدفوا من إنشاء المدارس أن تكون قبل كل شيء مراكز لنشر المذهب السني ومحاربة العقيدة الشيعية في البلاد؛ فإن سلاطين المماليك أكثروا من إنشاء المدارس إظهارا لشعور التقوى والزلفى من ناحية، وليتخذوا من المدرسة أداة تضمن بقاء الحكم في أيديهم، وتساعدهم على تدعيم مراكزهم في أعين الشعب.

ومن المدارس العديدة التي أسسها سلاطين الممالك المدرسة الظاهرية نسبة إلى السلطان الظاهر بيبرس الذي وضع أساسها سنة " (١٢٦١) م". وألحق بتلك المدرسة خزانة كتب جليلة تشتمل على مجموعة ضخمة من المراجع في مختلف العلوم. كما أنشأ المماليك مدارس كثيرة في بقاع كثيرة في مصر والشام والحجاز.

ولقد كان النشاط الديني في عصر المماليك موجها لخدمة المذهب السني ومحاربة المذهب الشيعي. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها صلاح الدين الأيوبي ومن خلفه من سلاطين بني أيوب لمحاربة الشيعة والتشيع في مصر إلا أن الكثير من آثار المذهب الشيعي ظلت قائمة في عصر المماليك.

وقد لجأ سلاطين المماليك إلى استخدام العنف أحيانا لكبت الشيعة. وأمر السلطان الظاهر بيبرس " (١٢٦٧) م-٦٦٥ هـ" باتباع المذاهب السنية الأربعة وتحريم ما عداها كما أمر بألا يولى قاض ولا تقبل شهادة أحد، ولا يرشح لإحدى وظائف الخطابة أو الإمامة أو التدريس ما لم يكن مقلدا لأحد هذه المذاهب (١).

وفي عصر سلاطين المماليك انتشر التصوف انتشارا واسعا واتسع نطاقه، فساد الجهل والاعتقاد بالخرافات والترهات، وانتشرت الشركيات فذبحت الذبائح عند القبور، وقدمت النذور لأصحابها. واهتم المماليك بهؤلاء الصوفية، وكان لهم اعتقاد فيهم، فكان للظاهر بيبرس المتوفي سنة " (٦٧٦) هـ" شيخ اسمه الخضر بن أبي بكر بن موسى العدوى، كان صاحب


(١) الدرر الكامنة لابن حجر "ج ٢ ص ٤٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>