للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال شيرويه الديلمي في "تاريخ همذان": أبو إسحاق إمام عصره قدم علينا رسولا إلى السلطان ملكشاه، سمعت منه، وكان ثقةً فقيهًا زاهدًا في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه.

قال خطيب الموصل أبي الفضل: حدثني أبي قال: توجهت من الموصل سنة "٤٥٩" إلى أبي إسحاق، فلما حضرت عنده رحب بي، وقال: من أين أنت? فقلت: من الموصل، قال: مرحبًا أنت بلديي. قلت: يا سيدنا! أنت من فيروزاباد. قال: أما جمعتنا سفينة نوح? فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبب إلي لزومه، فصحبته إلى أن مات.

توفي ليلة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة، سنة ست وسبعين وأربع مائة ببغداد، وأحضر إلى دار أمير المؤمنين المقتدي بالله، فصلى عليه، ودفن بمقبرة باب أبرز، وعمل العزاء بالنظامية، وصلى عليه صاحبه أبو عبد الله الطبري، ثم رتب المؤيد بن نظام الملك بعده في تدريس النظامية أبا سعد المتولي، فلما بلغ ذلك النظام، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تغلق المدرسة سنةً من أجل الشيخ. وعاب على من تولى، وأمر أن يدرس الإمام، أبو نصر عبد السيد بن الصباغ بها.

قلت: درس بها الشيخ أبو إسحاق بعد تمنع، ولم يتناول جامكيةً أصلًا، وكان يقتصر على عمامة صغيرة وثوب قطني، ويقنع بالقوت، وكان الفقيه رافع الحمال رفيقه في الاشتغال، فيحمل شطر نهاره بالأجرة، وينفق على نفسه وعلى أبي إسحاق، ثم إن رافعا حج وجاور، وصار فقيه الحرم في حدود الأربعين وأربع مائة.

ومات أبو إسحاق، ولم يخلف درهمًا، ولا عليه درهم. وكذا فليكن الزهد، وما تزوج فيها أعلم، وبحسن نيته في العلم اشتهرت تصانيفه في الدنيا، "كالمهذب"، و "التنبيه"، و "اللمع في أصول الفقه"، و "شرح اللمع"، و "المعونة في الجدل"، و "الملخص في أصول الفقه"، وغير ذلك.

ومن شعره:

أُحبّ الكأس من غير المدام … وألهو بالحساب بلا حرام

وما حبّي لفاحشةٍ ولكن … رأيت الحبّ أخلاق الكرام

وقال:

سألت النّاس عن خلٍّ وفيٍّ … فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسّك إن ظفرت بودّ حرٍّ … فإنّ الحرّ في الدّنيا قليل

ولعاصم بن الحسن فيه:

<<  <  ج: ص:  >  >>