يظهر منه شيء من العري، وكنت أمشي معه، فتعلق به باقلاني، وقال: يا شيخ! كسرتني وأفقرتني! فقلنا: وكم لك عنده? قال: حبتان من ذهب أو حبتان ونصف.
وقال ابن الخاضبة: كان ابن أبي عقيل يبعث من صور إلى الشيخ أبي إسحاق البدلة والعمامة المثمنة، فكان لا يلبس العمامة حتى يغسلها في دجلة، ويقصد طهارتها.
وقيل: إن أبا إسحاق نزع عمامته -وكانت بعشرين دينارا- وتوضأ في دجلة، فجاء لص، فأخذها، وترك عمامةً رديئة بدلها، فطلع الشيخ، فلبسها، وما شعر حتى سألوه وهو يدرس، فقال: لعل الذي أخذها محتاج.
قال أبو بكر بن الخاضبة: سمعت بعض أصحاب أبي إسحاق يقول: رأيت الشيخ كان يصلي عند فراغ كل فصل من "المهذب".
قال نظام -الملك وأثنى على أبي إسحاق وقال: كيف حالي مع رجل لا يفرق بيني وبين نهروز الفراش في المخاطبة? قال لي: بارك الله فيك. وقال له لما صب عليه كذلك.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاءً، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلًا، فلما خرجنا، قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق! لو رآه الشافعي لتجمل به.
أخبرني الحسن بن علي، أخبرنا جعفر الهمداني، أخبرنا السلفي: سألت شجاعًا الذهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقةً، ورعًا، صالحًا، عالمًا بالخلاف علمًا لا يشاركه فيه أحد.
قال محمد بن عبد الملك الهمذاني: ندب المقتدي بالله أبا إسحاق للرسلية إلى المعسكر، فتوجه في آخر سنة خمس وسبعين، فكان يخرج إليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه*، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم، ولا ينتهون، وخرج أصحاب الفاكهة والحلواء، ونثروا على الأساكفة، وعملوا مداسات صغارًا، ونثروها، وهي تقع على رؤوس الناس، والشيخ يعجب، وقال لنا: رأيتم النثار، ما وصل إليكم منه? فقالوا: يا سيدي! وأنت أي شيء كان حظك منه? قال: أنا غطيت نفسي بالمحفة.
* الرُّدن: بالضم: أصل الكُمِّ. يقال: قميصٌ واسع الردن. ابن سيده: الردن مقدم كم القميص، وقيل: هو أسفله، وقيل: هو الكلم كله، والجمع: أردان وأردنه.