للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثريًا قحًا، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري: فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس.

قال الحسين بن علي الكتبي: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتب، ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج له سواي.

قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت … فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا

قلت: وقد قال في قصيدته النونية التي أولها:

نزل المشيب بلمّتي فأراني … نقصان دهرٍ طالما أرهاني*

أنا حنبليٌّ ما حييت وإن أمت … فوصيّتي ذاكم إلى الإخوان

إذ دينه ديني وديني دينه … ما كنت إمّعةً له دينان

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية، منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده، فإن رضيه، أذن له في الكلام على الناس، وإلا فمنعه قال: فلما قربت من الري؛ كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به! وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبًا لم أسمع به قط. قال: وما قال? فقال: قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليًا، فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي. ولزمته أيامًا، وانصرفت.

قال شيخ الإسلام في "ذم الكلام"، في أوله عقيب حديث ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾


* أرهاني: أي رفق بي.

<<  <  ج: ص:  >  >>