[المائدة: ٣]. ونزولها بعرفة: سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضلة وزيادة وبدعة.
قلت: قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع، وفيه يبس وزعارة العجم، وما قاله، فمحل نظر.
ولقد بالغ أبو إسماعيل في "ذم الكلام" على الاتباع فأجاد، ولكنه لم نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه "منازل السائرين"، ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلَّا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجال سيفًا مسلولًا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودًا راسيًا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه "الفاروق في الصفات" بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف "الأربعين" في التوحيد، و "أربعين" في السنة، وقد امتحن مرات، وأوذي، ونفي من بلده.
قال ابن طاهر: سمعته يقول: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردًا.
قال الحافظ أبو النضر الفامي: كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارًا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.
قلت: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفةً من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في منازل السائرين، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جدًا، وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون،