فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنةً بعلم غزير، حصله مع الفقر والتقنع باليسير.
حدث عنه: أبو عمر بن عبد البر، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخطيب، وعلي بن عبد الله الصقلي، وأبو عبد الله الحميدي، وأحمد بن علي بن غزلون، وأبو علي بن سكرة الصدفي، وأبو بكر الفهري الطُّرطوشي، وابنه الزاهد أبو القاسم بن سليمان، وأبو علي بن سهل السبتي، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي، وخلق سواهم.
وتفقه به أئمة، واشتهر اسمه، وصنف التصانيف النفيسة.
قال القاضي عياض: آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به، وعظم جاهه، وأجزلت صلاته، حتى توفي عن مال وافر، وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم، ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس، وصنف كتاب المنتقى في الفقه، وكتاب المعاني في شرح الموطأ، فجاء في عشرين مجلدًا، عديم النظير.
قال: وقد صنف كتابًا كبيرًا جامعًا، بلغ فيه الغاية، سماه "الاستيفاء"، وله كتاب "الإيماء في الفقه" خمس مجلدات، وكتاب "السراج في الخلاف" لم يتم، و"مختصر المختصر في مسائل المدونة"، وله كتاب في اختلاف الموطآت، وكتاب في الجرح والتعديل، وكتاب "التسديد إلى معرفة التوحيد"، وكتاب "الإشارة في أصول الفقه"، وكتاب "إحكام الفصول في أحكام لأصول"، وكتاب "الحدود"، وكتاب "شرح المنهاج"، وكتاب "سنن الصالحين وسنن العابدين"، وكتاب "سبل المهتدين"، وكتاب "فرق الفقهاء"، وكتاب "التفسير" لم يتمه، وكتاب "سنن المنهاج وترتيب الحجاج".
قال الأمير أبو نصر: أما الباجي ذو الوزارتين ففقيه متكلم، أديب شاعر، سمع بالعراق، ودرس الكلام، وصنف … إلى أن قال: وكان جليلًا رفيع القدر والخطر، قبره بالمرية.
وقال القاضي أبو علي الصدفي: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحدًا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم أحمد، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي، فقلت له: أدام الله عزك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعله ابن الباجي? قلت: نعم. فأقبل عليه.
قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، وولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأوريولة، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول