أنشدني علي بن محمد الحافظ، أخبرنا جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أنشدنا الأبيوردي لنفسه:
من رأى أشباح تبرٍ … حشيت ريقة نحله
فجمعناها بدورًا … وقطعناها أهله
توفي الأبيوردي بأصبهان مسمومًا، في ربيع الأول، سنة سبع وخمسين وخمس مائة كهلًا. قال قاضي القضاة عبد الواحد بن أحمد الثقفي: أنشدنا الأبيوردي:
لم يبق مني الحب غير حشاشةٍ … تشكو الصبابة فاذهبي بالباقي
أيبل من جلب السقام طبيبه … ويفيق من سحرته عين الراقي
إن كان طرفك ذاق ريقك فالذي … ألقى من المسقي فعل الساقي
نفسي فداؤك من ظلومٍ أعطيت … رق القلوب وطاعة الأحداق
وقد ذكره ابن طاهر، فلم يتقن نسبه، وقال: كان أوحد أهل زمانه في علوم عدة.
وقد عمل السلفي له سيرة وطول، وقال: كان في زمانه درة وشاحه، وغرة أوضاحه، ومالك رق المعاني، فلله دره حين يتناثر من فيه دره.
في كل معنًى يكاد الميت يفهمه … حسنًا ويعبده القرطاس والقلم
هذا مع ما تجمع فيه من الخلال الرضية، والخصال المرضية، كالتبحر في اللغة، والتقدم في النحو، والمعرفة برجال الحديث والأنساب، ونزاهة النفس، والمواظبة على الشرع، والتواضع الزائد للزاهدين، والصلف التام على أبناء الدنيا، وكان نادرًا في أنساب العرب قاطبة، كأنه يغرف من بحر، سمعته يقول: ما دخلت بلدًا يروى فيه الحديث إلَّا بدأت بسماع شيءٍ منه قبل التصدي لشؤوني، وحفظت كتاب "البلغة" في اللغة وأنا صبي، وما مقلت لغويًا قط، وأما النحو، فعبد القاهر، وأثنى عليه.
وحكى لي الشريف أبو البلقاء خطيب جامع السلطان قال: كان أبو المظفر يطالع الرقعة الطويلة مرةً واحدة، ويعيدها حفظًا، قال: وممن كان يبالغ في مدحه أبو نصر بن أبي حفص، وأبو إسماعيل الأثعل الأصبهانيان كاتبا العصر، وبلغني وأنا بسلماس أنه فوض إليه إشراف الممالك، وأحضر عند السلطان محمد بن ملكشاه للشخصية وهو على سرير الملك، فارتعد منه ووقع، ورفع ميتًا.