قال شيرويه: سمع الأبيوردي من إسماعيل بن مسعدة، وعبد القاهر الجرجاني، وأبي الفتح الشيرازي بالري، وعاصم بن الحسن، إلى أن قال: وكان من أفراد الوقت الذين ملكوا القلوب بفضلهم، وعمروا الصدور بودهم متعصبًا للسنة وأهلها، وله تصانيف كثيرة، ألف "تاريخ أبيورد ونسا" و "المختلف والمؤتلف" و "طبقات العلماء في كل فن" و "ما اختلف وائتلف من أنساب العرب"، وله في النحو واللغة مصنفات ما سبق إليها، حسن السيرة، خفيف الروح، متواضعًا، طرازًا لأهل البلد.
وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: قدم بغداد سنة ثمانين، ولازم خزانة الكتب النظامية، وكان من الذكاء على وصف عجيب، كان يسمع القصيدة الطويلة في نوبةٍ، فيرويها، ويتصفح الكتاب مرة، فيذكر فوائده ويحكيها، كان يعاب بإعجابه بنفسه، وكان عفيفًا متصونًا، أكثر من مدائح الوزير أبي منصور بن جهير، فصادف منه رفدا جليلا، ثم هجاه في هوى مؤيد الملك بن النظام، فسعى ابن جهير إلى الخليفة بأنه قد هجاك، ومدح صاحب مصر، فأبيح دمه، فهرب إلى همذان، واختلق هذا النسب حتى ذهب عنه اسم صاحب مصر، ويقال: إن الخطير الوزير سمه، فمات فجأة.
قال ابن الخشاب: قرأت على عبد الرحيم بن الإخوة ثلاثة أجزاء من أول كتاب "زاد الرفاق للأبيوردي، وهذا الكتاب -نعم والله- بارد الوضع، مشوب أدبه بفضول من علوم لا تعد في الفضل، دالة على أن الأبيوردي كان ممخرقًا محبًا لأن يرى بعين مفتن، متشبعًا بما لم يعط.
ولأبي إسماعيل الطغرائي يرثي الأبيوردي:
إن ساغ لي بعدك لي ماءٌ على ظمأ … فلا تجرعت غير الصاب والصبر
أو إن نظرت من الدنيا إلى حسنٍ … مذ غبت عني فلا متعت بالنظر
صحبتني والشباب الغض ثم مضى … كما مضيت فما في العيش من وطر
هبني بلغت من الأعمار أطولها … أو انتهيت إلى آمالي الكبر
فكيف لي بشبابٍ لا ارتجاع له … أم أين أنت فما لي عنك من خبر
سبقتماني ولو خيرت بعدكما … لكنت أول لحاقٍ على الأثر