للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية، قلت: صديقًا، وإذا رأيته في النهاية، قلت: زنديقًا، ثم فسره الغزالي، فقال: إذ اسم الزنديق لا يلصق إلَّا بمعطل الفرائض لا بمعطل النوافل. وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية، فيجلس فارغ القلب، مجموع الهم يقول: الله الله الله، على الدوام، فليفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة ولا كتب حديث. قال: فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة في بيت مظلمٍ، وتدثر بكسائه، فحينئذ يسمع نداء الحق: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل﴾.

قلت: سيد الخلق إنما سمع ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ من جبريل عن الله، وهذا الأحمق لم يسمع نداء الحق أبدًا، بل سمع شيطانًا، أو سمع شئًا لا حقيقةً من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالسنة والإجماع.

قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد "الإحياء" بالكذب على رسول الله ، فلا أعلم كتابًا على بسيط الأرض أكثر كذبًا منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهم قوم يرون النبوة مكتسبة، وزعموا أن المعجزات حيل ومخاريق.

قال ابن عساكر: حج أبو حامد وأقام بالشام نحوًا من عشر سنين، وصنف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مقامه بدمشق في المنارة الغربية من الجامع، سمع "صحيح البخاري" من أبي سهل الحفصي، وقدم دمشق في سنة تسع وثمانين.

وقال ابن خلكان: بعثه النظام على مدرسته ببغداد في سنة أربع وثمانين، وتركها في سنة ثمان وثمانين، وتزهد، وحج، وأقام بدمشق مدةً بالزاوية الغربية، ثم انتقل إلى بيت المقدس وتعبد، ثم قصد مصر، وأقام مدةً بالإسكندرية، فقيل: عزم على المضي إلى يوسف بن تاشفين سلطان مراكش، فبلغه نعيه، ثم عاد إلى طوس، وصنف: "البسيط" و "الوسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" و "الإحياء"، وألف: "المستصفى" في أصول الفقه، و "المنخول" و "اللباب" و "المنتحل في الجدل" و "تهافت الفلاسفة" و "محك النظر" و "معيار العلم" و "شرح الأسماء الحسنى" و "مشكاة الأنوار" و "المنقذ من الضلال" و "حقيقة القولين" وأشياء.

قال ابن النجار: أبو حامد إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإدراك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص على المعاني، حتى قيل: إنه ألف "المنخول"، فرآه أبو المعالي، فقال: دفنتني وأنا حيٌّ، فهلا صبرت الآن، كتابك غطى على كتابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>