للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيسٍ بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات.

قلت: أما "الإحياء" ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثر لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علمًا نافعًا، تدري ما العلم النافع? هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول Object قولًا وفعلًا، ولم يأت نهي عنه، قال Object: "من رغب عن سنتي، فليس مني" (١)، فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في "الصحيحين"، و "سنن النسائي"، و "رياض النواوي" وأذكاره، تفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.

نعم، وللإمام محمد بن علي المازري الصقلي كلامٌ على "الإحياء" يدل على إمامته، يقول: وقد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا في الكتاب المترجم بـ"إحياء علوم الدين"، وذكرتم أن آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفةٌ انتصرت وتعصبت لإشهاره، وطائفة حذرت منه ونفرت، وطائفة لكتبه أحرقت، وكاتبني أهل المشرق أيضًا يسألوني، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب سوى نبذ منه، فإن نفس الله في العمر، مددت فيه الأنفاس، وأزلت عن القلوب الالتباس: اعلموا أن هذا رأيت تلامذته، فكل منهم حكى لي نوعًا من حاله ما قام مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حاله، وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين والمتصوفة، وأصحاب الإشارات، والفلاسفة، فإن كتابه مترددٌ بين هذه الطرائق.

ثم إن المازري أثنى على أبي حامد في الفقه، وقال: هو بالفقه أعرف منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصل الدين، فإنه صنف فيه، وليس بالمتبحر فيها، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول، فأكسبته الفلسفة جرأةً على المعاني، وتسهلًا للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، لا يزعها شرع، وعرفني صاحب له أنه كان له عكوف على "رسائل إخوان الصفا"، وهي إحدى وخمسون رسالةً، ألفها من قد خاض في علم الشرع والنقل، وفي الحكمة، فمزج بين العلمين، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تصانيف، أدته قوته في الفلسفة إلى أن


(١) صحيح: أخرجه البخاري "٥٠٦٣"، ومسلم "١٤٠١"، والنسائي "٦/ ٦٠"، وأحمد "٣/ ٢٤١ و ٢٥٩ و ٢٨٥"، من حديث أنس بن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>