وفي أول سنة سبع أقبل عسكر الجزيرة نجدةً لطغتكين، فالتقوا الفرنج بالأردن، وصبر الفريقان، ثم استحر القتل بالفرنج، وأسر طاغيتهم بغدوين، لكن أساء الذي أسره، فشلحه، وأطلقه جريحا، ثم تراجع العدو، وجاءتهم نجدة، فعملوا المصاف من الغد، وحمي القتال، وطاب الموت، وتحصن الكلاب بجبل، فرابط الجيش بإزائهم يترامون بالنشاب ويقتتلون، فدام ذلك كذلك ستة وعشرين صباحًا حتى عدمت الأقوات، وتحاجز الجمعان.
وفيها وثب باطني بجامع دمشق على صاحب الموصل مودود بن ألتونتكين فقتله، وهو قد صلى الجمعة مع طغتكين، وأحرق الباطني.
قال ابن القلانسي في "تاريخه": قام هو وطغتكين حولهما الترك والأحداث بأنواع السلاح من الصوارم والصمصامات والخناجر المجردة، كالأجمة المشتبكة، فوثب رجل لا يؤبه له، ودعا لمودود، وشحذ منه، وقبض بند قبائه، وضربه تحت سرته ضربتين، والسيوف تنزل عليه، ودفن بخانقاه الطواويس، ثم نقل، وكان بطبرية مصحف أرسله عثمان ﵁ إليها، فنقله طغتكين إلى جامع دمشق.
وفيها تملك حلب أرسلان بن رضوان السلجوقي بعد أبيه، وقتل أخويه، ورأس الإسماعيلية أبا طاهر الصائغ، وعدة منهم.
وفي سنة ثمان وخمس مائة: هلك بغدوين من جرحه. وقتلت الباطنية صاحب مراغة أحمديل.
وتخنزرت الفرنج في سنة تسع، وعاثوا بالشام، وأخذوا رفنية، فساق طغتكين، واستنقذها، وكان قد عصى على السلطان، وحارب بعض عسكره، فندم، وسار بنفسه على العراق بتحف سنية، فرأى من الاحترام فوق آماله، وكتبوا له تقليدًا بإمرة الشام كله.
وفي سنة عشر قدم البرسقي صاحب الموصل إلى الشام غازيًا، وسار معه طغتكين، فكبسوا الفرنج، ونزل النصر، فقتل ألوف من الفرنج، واستحكمت المودة بين البرسقي وبين صاحب دمشق.
وفي سنة إحدى عشرة كبست الفرنج حماة، وقتلوا مائة وعشرين رجلًا، وبدعوا، وجاء سيلٌ هدم سور سنجار، وغرق خلائق، وأخذ باب المدينة، ثم ظهر تحت الرمل بعد سنين على مسيرة بريد، وسلم مولود في سريره عامَ به، وتعلق في زيتونة.
وفيها تسلطن السلطان محمود بعد أبيه محمد، وأنفقت خزائن أبيه في العساكر، فقيل: كانت أحد عشر ألف ألف دينار.
وتوفي المستظهر بالله عن سبعة بنين، وصلى عليه ابنه المسترشد بالله.
وبعده ماتت جدته لأبيه أرجوان الأرمنية، وقد رأت ابنها خليفة، وابن ابنها، وابن ابن ابنها، وما اتفق هذا لسواها.