لم يحمل القاضي العلم في الحداثة، وأول شيء أخذ عن الحافظ أبي علي الغساني إجازة مجردة، وكان يمكنه السماع منه، فإنه لحق من حياته اثنين وعشرين عامًا.
رحل إلى الأندلس سنة بضع وخمس مائة، وروى عن القاضي أبي علي بن سكرة الصدفي، ولازمه، وعن أبي بحر بن العاص، ومحمد بن حمدين، وأبي الحسين سراج الصغير، وأبي محمد بن عتاب، وهشام بن أحمد، وعدة.
وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي.
واستبحر من العلوم، وجمع وألف، وسارت بتصانيفه الركبان، واشتهر اسمه في الآفاق.
قال خلف بن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، استقضي بسبتة مدةً طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطول بها، وقدم علينا قرطبة، فأخذنا عنه.
وقال الفقيه محمد بن حماده السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينًا من غير ضعف، صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي، وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسبتة في عصر أكثر توالف من تواليفه، له كتاب "الشفا في شرف المصطفى" مجلد، وكتاب "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك" في مجلدات، وكتاب "العقيدة"، وكتاب "شرح حديث أم زرع"، وكتاب "جامع التاريخ" الذي أربى على جميع المؤلفات، جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب، واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار:"الموطأ" و"الصحيحين" …
إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلَّا تواضعًا وخشيةً لله -تعالى- وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين في "وفيات الأعيان": هو إمام الحديث في وقته، وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم.
قال: ومن تصانيفه كتاب "الإكمال في شرح صحيح مسلم" كمل به كتاب "المعلم" للمازري، وكتاب "مشارق الأنوار" في تفسير غريب الحديث، وكتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن.