عد، واقرأ علي ليكون لك إسناد، فعدت إليه في سنة اثنتين وتسعين، وكنت أقول كثيرًا: اللهم بين لي أي المذاهب خير. وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلاني، وكأن من يردني عن ذلك. قال: فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى الشيخ أبي منصور، وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريفية، دري اللون، عليه نور وبهاء، فسلمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وأنه رسول الله ﷺ، فلما جلست التفت إلي، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ. ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا، وجسمي يرجف، فقصصت ذلك على والدتي، وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه، فقصصت عليه الرؤيا، فقال: يا ولدي، ما مذهب الشافعي إلَّا حسن، ولا أقول لك: اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري. فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك، وأشهد الجماعة أنني منذ اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع. فقال لي: وفقك الله. ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة.
قال ابن الجوزي وغيره: توفي ابن ناصر في ثامن عشر شعبان سنة خمسين وخمس مائة.
ثم قال ابن الجوزي: حدثني الفقيه أبو بكر بن الحصري، قال: رأيت ابن ناصر في النوم، فقلت له: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، وقال لي: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم.
قلت: ومات معه في السنة الخطيب المعمر أبو الحسن علي بن محمد المشكاني راوي "تاريخ البخاري الصغير"، ومقرئ العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهروزوري، ومفتي خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي، وقاضي مصر وعالمها أبو المعالي مجلي بن جميع القرشي صاحب كتاب الذخائر في المذهب، والواعظ الكبير أبو زكريا يحيى بن إبراهيم السلماسي، ومسند نيسابور أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي عن بضع وثمانين سنة، والشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب جد الفتح بن عبد الله ببغداد.
أخبرتنا أم محمد زينب بنت عمر بن كندي ببعلبك سنة ثلاث وتسعين عن أبي الفتح أحمد بن ظفر بن يحيى ابن الوزير، أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ، أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر الخطيب في سنة ٤٧٣، أخبرنا محمد بن الفضل الفراء بمصر بقراءتي، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن خروف إملاءً، حدثنا طاهر بن عيسى، حدثنا أصبغ بن الفرج، حدثنا