باشر وعدة معاقل للفرنج، ونازلت أربعون ألفًا من الفرنج قرطبة ثلاثة أشهر، حتى كادوا أن يأخذوها، فكشف عنها جيش عبد المؤمن، وكانوا اثني عشر ألفًا، وقدم السلطان مسعود بغداد.
وفي سنة ٤٧ مات مسعود، وقام بعده أخوه محمد، وعظم شأن المقتفي، وسار إلى واسط، فمهدها، وعطف إلى الكوفة، ثم عاد مؤيدًا منصورًا، فعملت له قباب الزينة.
وفي سنة ٤٨ أخذت الفرنج عسقلان، واشتد الغلاء بدمشق، ومات الفقراء، فطمع نور الدين في أخذها، ففي أول سنة تسع قدم شيركوه رسولًا، فنزل في ألف فارس، فلم يخرجوا لتلقيه، وقويت الوحشة، وأقبل نور الدين، فنزل ببيت الأبار، وزحف على البلد مرتين، وأقبل عسكره إلى باب كيسان، فإذا ليس على السور كبير أحد، فتقدم راجل، فرأته يهودية، فدلت له حبلًا، فصار على السور، وتبعه جماعة، فنصبوا سنجقًا، وصاحوا: نور الدين يا منصور. وفتر القتال، وبادر قطاع خشب بفأسه، فكسر قفل باب شرقي، ودخل نور الدين، وفرحت به الرعية، فتحصن الملك مجير الدين بالقلعة طالبًا للأمان، ثم نزل، فطيب نور الدين قلبه، وخرج بأمواله إلى الدار الأتابكية، ثم ذهب إلى حمص، وكتب له بها منشور.
وأقبلت الغز التركمان، فنهبوا نيسابور، وعذبوا وقتلوا بها ألوفًا، وخدموا السلطان سنجر، وأخذوه معهم، فصار في حال زرية بعد العز والملك، يركب أكدشًا، وربما جاع.
وفيها يوم الجمعة ثاني شوال وقعت صاعقة عظيمة في التاج الذي بدار الخلافة، فتأججت فيه وفي القبة والدار، فبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام، حتى أطفئت بعد أن صيرته كالحممة، وكانت آيةً هائلةً وكائنةً مدهشة، وكان هذا التاج من محاسن الدنيا، أنشأه المكتفي في دولته، وكان شاهقًا بديع البناء، ثم رم شعثه وطري.
وفي سنة خمسين وخمس مائة سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز يسوقها، وقتل في العام الماضي الظافر بمصر، وقدم طلائع بن زريك من الصعيد للأخذ بثأر الظافر من قاتله عباس، ففر عباس نحو الشام بأمواله، فأخذته فرنج عسقلان، فقتلوه، وباعوا ابنه نصرًا للمصريين، واضطرب أمر مصر، وعزمت الفرنج على أخذها، وأرست مراكب جاءت من صقلية على تنيس، فهجموها، وقتلوا، وسبوا، وافتتح نور الدين قلاعًا للفرنج وبعض بلاد الروم بالأمان، واتسع ملكه، فبعث إليه المقتفي تقليدًا، ولقبه بالملك العادل، وأمره بقصد مصر.
وفي سنة ٥٥١ سار المقتفي والسلطان سليمان بن محمد بن ملكشاه إلى حلوان، ثم نفذ