للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: يشير إلى إثباته صفة العلو ونحو ذلك، ومذهب الحنابلة في ذلك معلوم، يمشون خلف ما ثبت عن إمامهم إلَّا من يشذ منهم، وتوسع في العبارة.

قال ابن النجار في تاريخه: دخل الشيخ عبد القادر بغداد في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، فتفقه على ابن عقيل، وأبي الخطاب، والمخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصول والفروع والخلاف، وسمع الحديث، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه، ثم لازم الخلوة والرياضة والمجاهدة والسياحة والمقام في الخراب والصحراء، وصحب الدباس، ثم إن الله أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعقد مجلس الوعظ في سنة إحدى وعشرين، وأظهر الله الحكمة على لسانه، ثم درس، وأفتى، وصار يقصد بالزيار والنذور، وصنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة عال. وكتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي: قال لي الشيخ عبد القادر: طالبتني نفسي يومًا بشهوة، فكنت أضاجرها، وأدخل في درب، وأخرج من آخر أطلب الصحراء، فرأيت رقعةً ملقاةً، فإذا فيها: ما للأقوياء والشهوات، وإنما خلقت الشهوات للضعفاء. فخرجت الشهوة من قلبي. قال: وكنت أقتات بخروب الشوك وورق الخس من جانب النهر.

قال ابن النجار: قرأت بخط أبي بكر عبد الله بن نصر بن حمزة التيمي، سمعت الشيخ عبد القادر يقول: بلغت بي الضائقة في الغلاء إلى أن بقيت أيامًا لا آكل طعامًا، بل أتبع المنبوذات، فخرجت يومًا إلى الشط، فوجدت قد سبقني الفقراء، فضعفت، وعجزت عن التماسك، فدخلت مسجدًا، وقعدت، وكدت أصافح الموت، ودخل شاب أعجمي ومعه خبز وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع لقمةً أن أفتح فمي، فالتفت فرآني، فقال: باسم الله، فأبيت، فأقسم علي، فأكلت مقصرًا، وأخذ يسألني، ما شغلك، ومن أين أنت? فقلت: متفقه من جيلان. قال: وأنا من جيلان، فهل تعرف لي شابًا جيلانيًا اسمه عبد القادر، يعرف بسبط أبي عبد الله الصومعي الزاهد? فقلت: أنا هو. فاضطرب لذلك، وتغير وجهه، وقال: والله يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نفقتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلَّا من مالك، فلما كان هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أيام، وحلت لي الميتة، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخبز والشواء، فكل طيبًا، فإنما هو لك، وأنا ضيفك الآن. فقلت: وما ذاك? قال: أمك وجهت معي ثمانية دنانير، والله ما خنتك فيها إلى اليوم، فسكنته، وطيبت نفسه، ودفعت إليه شيئًا منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>