قال الجبائي: وقال لي الشيخ عبد القادر: كنت أومر وأنهى في النوم واليقظة، وكان يغلب علي الكلام، ويزدحم على قلبي إن لم أتكلم به حتى أكاد أختنق، ولا أقدر أسكت، وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة، ثم تسامع الناس بي، وازدحم علي الخلق، حتى صار يحضر مجلسي نحو من سبعين ألفًا. وقال: فتشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام، أود لو أن الدنيا بيدي فأطعمها الجياع، كفي مثقوبة لا تضبط شيئًا، لو جاءني ألف دينار لم أبيتها، وكان إذا جاءه أحد بذهب، يقول: ضعه تحت السجادة، وقال لي: أتمنى أن أكون في الصحارى والبراري كما كنت في الأول لا أرى الخلق ولا يروني. ثم قال: أراد الله مني منفعة الخلق، فقد أسلم على يدي أكثر من خمس مائة، وتاب على يدي أكثر من مائة ألف، وهذا خير كثير، وترد علي الأثقال التي لو وضعت على الجبال تفسخت، فأضع جنبي على الأرض، وأقول: إن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني. وقال: إذا ولد لي ولد أخذته على يدي، وأقول: هذا ميت، فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثر عندي موته شيئًا.
قال عبد الرزاق ابن الشيخ: ولد لأبي تسعة وأربعون ولدًا، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناث.
وقال الجبائي: كنت أسمع في الحلية على ابن ناصر، فرق قلبي، وقلت: اشتهيت لو انقطعت، وأشتغل بالعبادة، ومضيت، فصليت خلف الشيخ عبد القادر، فلما جلسنا، نظر إلي، وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب، وإلا فتنقطع وأنت فريخ ما ريشت.
وعن أبي الثناء النهرملكي قال: تحدثنا أن الذباب ما يقع على الشيخ عبد القادر، فأتيته، فالتفت إلي، وقال: أيش يعمل عندي الذباب، لا دبس الدنيا، ولا عسل الآخرة.
قال أبو البقاء العكبري: سمعت يحيى بن نجاح الأديب يقول: قلت في نفسي: أريد أن أحصي كم يقص الشيخ عبد القادر شعر تائب، فحضرت المجلس ومعي خيط، فلما قص شعرًا، عقدت عقدة تحت ثيابي من الخيط وأنا في آخر الناس، وإذا به يقول: أنا حل وأنت تعقد؟!
قال ابن النجار: سمعت شيخ الصوفية عمر بن محمد السهروردي يقول: كنت أتفقه في صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئًا من علم الكلام، وعزمت على ذلك من غير أن أتكلم به، فصليت مع عمي أبي النجيب، فحضر عنده الشيخ عبد القادر مسلمًا، فسأله عمي الدعاء