للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لي، وذكر له أني مشتغل بالفقه، وقمت فقبلت يده، فأخذ يدي، فقال: تب مما عزمت عليه من الاشتغال به، فإنك تفلح، ثم سكت، ولم يتغير عزمي عن الاشتغال بالكلام حتى شوشت علي جميع أحوالي، وتكدر وقتي، فعلمت أن ذلك بمخالفة الشيخ.

ابن النجار: سمعت أبا محمد بن الأخضر يقول: كنت أدخل على الشيخ عبد القادر في وسط الشتاء وقوة برده وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقية، وحوله من يروحه بالمروحة. قال: والعرق يخرج من جسده كما يكون في شدة الحر.

ابن النجار: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الشيباني، سمعت الحافظ عبد الغني، سمعت أبا محمد بن الخشاب النحوي يقول: كنت وأنا شاب أقرأ النحو، وأسمع الناس يصفون حسن كلام الشيخ عبد القادر، فكنت أريد أن أسمعه ولا يتسع وقتي، فاتفق أني حضرت يومًا مجلسه، فلما تكلم لم أستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت في نفسي: ضاع اليوم مني. فالتفت إلى ناحيتي، وقال: ويلك تفضل النحو على مجالس الذكر، وتختار ذلك؟! اصحبنا نصيرك سيبويه.

قال أحمد بن ظفر بن هبيرة: سألت جدي أن أزور الشيخ عبد القادر، فأعطاني مبلغًا من الذهب لأعطيه، فلما نزل عن المنبر سلمت عليه، وتحرجت من دفع الذهب إليه في ذلك الجمع، فقال: هات ما معك ولا عليك من الناس، وسلم على الوزير.

قال صاحب "مرآة الزمان": كان سكوت الشيخ عبد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلم على الخواطر، وظهر له صيت عظيم وقبول تام، وما كان يخرج من مدرسته إلَّا يوم الجمعة أو إلى الرباط، وتاب على يده معظم أهل بغداد، وأسلم خلق، وكان يصدع بالحق على المنبر، وكان له كرامات ظاهرة.

قلت: ليس في كبار المشايخ من له أحوال وكرامات أكثر من الشيخ عبد القادر، لكن كثيرًا منها لا يصح، وفي بعض ذلك أشياء مستحيلة.

قال الجبائي: كان الشيخ عبد القادر يقول: الخلق حجابك عن نفسك، ونفسك حجابك عن ربك.

عاش الشيخ عبد القادر تسعين سنة، وانتقل إلى الله في عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمس مائة، وشيعه خلق لا يحصون، ودفن بمدرسته رحمه الله تعالى.

وفيها مات أبو المحاسن إسماعيل بن علي بن زيد بن شهريار الأصبهاني -سمع من

<<  <  ج: ص:  >  >>