أعطاني شيئًا أخذته، ومن لم يعطني لم أطالبه، ولما تعذر ذلك في الشتاء علي، خرجت إلى سوق، فوجدت رجلًا بين يديه طبرزد، وعنده جماعة يدقون الأرز، فقلت: استعملني. قال: أرني يدك. فأريته، قال: هذه يد لا تصلح إلَّا للقلم، وأعطاني ورقةً فيها ذهب، فقلت: لا آخذ إلَّا أجرة عملي، فإن شئت نسخت لك بالأجرة. قال: اصعد، وقال لغلامه: ناوله المدقة، فدققت معهم وهو يلحظني، فلما عملت ساعةً، قال: تعال، فناولني الذهب، وقال: هذه أجرتك، فأخذته، ثم أوقع الله في قلبي الاشتغال بالعلم، فاشتغلت حتى أتقنت المذهب، وقرأت الأصلين، وحفظت الوسيط للواحدي في التفسير، وسمعت كتب الحديث المشهورة.
قال أبو القاسم بن عساكر: ذكر لي أبو النجيب أنه سمع من أبي علي الحداد، واشتغل بالمجاهدة، ثم استقى بالأجرة، ثم وعظ ودرس بالنظامية، قدم دمشق سنة ثمان وخمسين لزيارة بيت المقدس، فلم يتفق له لانفساخ الهدنة.
قلت: حدث عنه هو والقاسم ابنه، والسمعاني، وابن سكينة، وزين الأمناء، وأبو نصر بن الشيرازي، وابن أخيه الشيخ شهاب الدين عمر، وخلق.
مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وخمس مائة، ودفن بمدرسته.