ولي جده نيابة حلب للسلطان ملكشاه بن ألب آرسلان السلجوقي.
ونشأ قسيم الدولة بالعراق، وندبه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه بإشارة المسترشد لإمرة الموصل وديار بكر والبلاد الشامية، وظهرت شهامته وهيبته وشجاعته، ونازل دمشق، واتسعت ممالكه، فقتل على حصار جعبر سنة إحدى وأربعين، فتملك ابنه نور الدين هذا حلب، وابنه الآخر الموصل.
وكان نور الدين حامل رايتي العدل والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة.
افتتح أولًا حصونًا كثيرة، وفامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب وقمع الرافضة.
وبنى المدارس بحلب وحمص ودمشق وبعلبك والجوامع والمساجد، وسلمت إليه دمشق للغلاء والخوف، فحصنها، ووسع أسواقها، وأنشأ المارستان ودار الحديث والمدارس ومساجد عدة، وأبطل المكوس من دار بطيخ وسوق الغنم والكيالة وضمان النهر والخمر، ثم أخذ من العدو بانياس والمنيطرة، وكسر الفرنج مرات، ودوخهم، وأذلهم.
وكان بطلًا شجاعًا، وافر الهيبة، حسن الرمي، مليح الشكل، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يتعرض للشهادة، سمع كاتبه أبو اليسر يسأل الله أن يحشره من بطون السباع وحواصل الطير.
وبنى دار العدل، وأنصف الرعية، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميل سور المدينة النبوية، واستخراج العين بأحد دفنها السيل، وفتح درب الحجاز، وعمر الخوانق والربط والجسور والخانات بدمشق وغيرها. وكذا فعل إذ ملك حران وسنجار والرها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر. ووقف كتبًا كثيرة مثمنة، وكسر الفرنج والأرمن على حارم وكانوا ثلاثين ألفًا، فقل من نجا، وعلى بانياس.
وكانت الفرنج قد استضرت على دمشق، وجعلوا عليها قطيعةً، وأتاه أمير الجيوش شاور مستجيرًا به، فأكرمه، وبعث معه جيشًا ليرد إلى منصبه، فانتصر، لكنه تخابث وتلاءم، ثم استنجد بالفرنج، ثم جهز نور الدين ﵀ جيشًا لجبًا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهر دولتها الرافضية، وهربت منه الفرنج، وقتل شاور، وصفت الديار المصرية