لشيركوه نائب نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العبيديين، واستأصلهم، وأقام الدعوة العباسية.
وكان نور الدين مليح الخط، كثير المطالعة، يصلي في جماعة، ويصوم، ويتلو ويسبح، ويتحرى في القوت، ويتجنب الكبر، ويتشبه بالعلماء والأخيار، ذكر هاذ ونحوه الحافظ بن عساكر، ثم قال: روى الحديث، وأسمعه بالإجازة، وكان من رآه شاهد من جلال السلطنة وهبة الملك ما يبهره، فإذا فاوضه، رأى من لطافته وتواضعه ما يحيره. حكى من صحبه حضرًا وسفرًا أنه ما سمع منه كلمة فحش في رضاه ولا في ضجره، وكان يواخي الصالحين، ويزورهم، وإذا احتلم مماليكه أعتقهم، وزوجهم بجواريه، ومتى تشكوا من ولاته عزلهم، وغالب ما تملكه من البلدان تسلمه بالأمان، وكان كلما أخذ مدينةً، أسقط عن رعيته قسطًا.
وقال أبو الفرج بن الجوزي: جاهد، وانتزع من الكفار نيفًا وخمسين مدينةً وحصنًا، وبنى بالموصل جامعًا غرم عليه سبعين ألف دينار، وترك المكوس قبل موته، وبعث جنودًا فتحوا مصر، وكان يميل إلى التواضع وحب العلماء والصلحاء، وكاتبني مرارًا، وعزم على فتح بيت المقدس، فتوفي في شوال سنة تسع وستين وخمس مائة.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لبد من الجهاد، وكان يأكل من عمل يده، ينسخ تارةً، ويعمل أغلافًا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفيًا يراعي مذهب الشافعي ومالك، وكان ابنه الصالح إسماعيل أحسن أهل زمانه.
وقال ابن خلكان: ضربت السكة والخطبة لنور الدين بمصر، وكان زاهدًا عابدًا، متمسكًا بالشرع، مجاهدًا، كثير البر والأوقاف، له من المناقب ما يستغرق الوصف، توفي في حادي عشر شوال بقلعة دمشق بالخوانيق، وأشاروا عليه بالفصد، فامتنع، وكان مهيبًا فما روجع، وكان أسمر طويلًا، حسن الصورة، ليس بوجهه شعر سوى حنكه، وعهد بالملك إلى ابنه وهو ابن إحدى عشرة سنة.
وقال ابن الأثير: كان أسمر، له لحية في حنكه، وكان واسع الجبهة، حسن الصورة، حلو العينين، طالعت السير، فلم أر فيها بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريًا منه للعدل، وكان لا يأكل ولا يلبس ولا يتصرف إلَّا من ملك له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة، لقد طلبت زوجته منه، فأعطاها ثلاثة دكاكين، فاستقلتها، فقال: ليس لي إلَّا هذا، وجميع ما بيدي أنا فيه خازن للمسلمين، وكان يتهجد كثيرًا، وكان