ما حال، والأمر ما زال، وقد علمتم ظاهر حالنا، وكيفية رجالنا، وما يتمنونه من الفوت، ويتقربون به من حياض الموت، وفي المثل: أو للبط تهدد بالشط? فهيئ للبلايا أسبابًا، وتدرع للرزايا جلبابًا، فلأظهرن عليك منك، وتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، وما ذلك على الله بعزيز، فكن لأمرنا بالمرصاد، واقرأ أول النحل وآخر ص.
قال النجم ابن إسرائيل: أخبرني المنتجب بن دفترخوان، قال: أرسلني صلاح الدين إلى سنان حين قفزوا على صلاح الدين المرة الثالثة، ومعي القطب النيسابوري يهدده، فكتب على طرة كتابه: جاء الغراب إلى البازي يهدده … وذكر الأبيات، وقال: هذا جوابه، إن صاحبك يحكم على ظاهر جنده، وأنا أحكم على باطن جندي، وسترى دليله، فدعا عشرةً من صبيان القاعة، فألقى سكينًا في الخندق، وقال: من أراد هذه، فليقع خلفها، فتبادروا جميعًا خلفها وثبًا، فتقطعوا، فعدنا، فصالحه صلاح الدين.
وذكر قطب الدين في "تاريخه": أن سنانًا سير رسولًا إلى صلاح الدين، فلم يجد معه ما يخافه، فأخلى له المجلس سوى نفر، فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا، فأخرجهم كلهم سوى مملوكين، فقال: أمرت أن لا أؤدي إلَّا خلوةً، قال: هذان ما يخرجان، فإن أديت، وإلا فقم، فهما مثل أولادي، فالتفت إليهما، وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان، أتقتلانه? قالا: نعم، وجذبا سيفهما، فبهت السلطان، وخرج أحدهما مع الرسول، فدخل السلطان في مرضاة سنان، ومن شعره:
ما أكثر الناس وما أقلّهم … وما أقلّ في القليل النّجبا