والبيرة، وآمد، ونصيبين، وحاصر الموصل، ثم تملك حلب، وعوض عنها صاحبها زنكي بسنجار، ثم إنه حاصر الموصل ثانيًا وثالثًا، ثم صالحه صاحبها عز الدين مسعود، ثم أخذ شهرزور والبوازيج.
وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة حطين بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفًا، فحال بينهم وبين الماء على تل، وسلموا نفوسهم، وأسرت ملوكهم، وبادر، فأخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر القدس، وجد في ذلك فأخذها بالأمان.
وسار عسكر لابن أخيه تقي الدين عمر فأخذوا أوائل المغرب، وخطبوا بها لبني العباس.
ثم إن الفرنج قامت قيامتهم على بيت المقدس، وأقبلوا كقطع الليل المظلم برًا وبحرًا وأحاطوا بعكا ليستردوها وطال حصارهم لها، وبنوا على نفوسهم خندقًا، فأحاط بهم السلطان، ودام الحصار لهم وعليهم نيفًا وعشرين شهرًا، وجرى في غضون ذلك ملاحم وحروب تشيب النواصي، وما فكوا حتى أخذوها، وجرت لهم وللسلطان حروب وسير. وعندما ضرس الفريقان، وكل الحزبان، تهادن الملتان.
وكانت له همة في إقامة الجهاد، وإبادة الأضداد ما سمع بمثلها لأحد في دهر.
قال ابن واصل في حصار عزاز: كانت لجاولي خيمة كان السلطان يحضر فيها، ويحض الرجال، فحضر باطنية في زي الأجناد، فقفز عليه واحد ضربه بسكين لولا المغفر الزرد الذي تحت القلنسوة، لقتله فأمسك السلطان يد الباطني بيديه، فبقي يضرب في عنق السلطان ضربًا ضعيفًا، والزرد تمنع، وبادر الأمير بازكوج، فأمسك السكين، فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه، ووثب آخر، فوثب عليه ابن منكلان، فجرحه الباطني في جنبه، فمات، وقتل الباطني، وقفز ثالث، فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس، فضمه تحت إبطه، فطعنه صاحب حمص، فقتله، وركب السلطان إلى مخيمه، ودمه يسيل على خده، واحتجب في بيت خشب، وعرض جنده، فمن أنكره، أبعده.
قال الموفق عبد اللطيف: أتيت، وصلاح الدين بالقدس، فرأيت ملكًا يملأ العيون روعةً، والقلوب محبةً، قريبًا بعيدًا، سهلًا، محببًا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا﴾ [الحجر: ٤٧]، وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلًا بأهل العلم يتذاكرون، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار، وحفر الخنادق، ويأتي بكل معنىً بديع، وكان مهتمًا في بناء