للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سور بيت المقدس وحفر خندقه، ويتولى ذلك بنفسه، وينقل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به الخلق حتى القاضي الفاضل، والعماد إلى وقت الظهر، فيمد السماط، ويستريح، ويركب العصر، ثم يرجع في ضوء المشاعل، قال له صانع: هذه الحجارة التي تقطع من أسفل الخندق رخوة، قال: كذا تكون الحجارة التي تلي القرار والنداوة، فإذا ضربتها الشمس، صلبت. وكان يحفظ "الحماسة"، ويظن أن كل فقيه يحفظها، فإذا أنشد، وتوقف، استطعم فلا يطعم، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، ولم يكن يحفظها، وخرج، فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارًا في الشهر، وأطلق أولاده لي رواتب، فأشغلت بجامع دمشق.

وكان أبوه ذا صلاح، ولم يكن صلاح الدين بأكبر أولاده.

وكان صلاح الدين شحنة دمشق، فكان يشرب الخمر، ثم تاب، وكان محببًا إلى نور الدين يلاعبه بالكرة.

وكانت وقعته بمصر مع السودان، وكانوا نحو مائتي ألف، فنصر عليهم، وقتل أكثرهم. وفي هذه الأيام استولى ملك الخزر على دوين، وقتل من المسلمين ثلاثين ألفًا.

حم صلاح الدين، ففصده من لا خبرة له، فخارت القوة، ومات، فوجد الناس عليه شبيهًا بما يجدونه على الأنبياء، وما رأيت ملكًا حزن الناس لموته سواه، لأنه كان محببًا، يحبه البر والفاجر، والمسلم والكافر، ثم تفرق أولاده وأصحابه أيادي سبأ، وتمزقوا. ولقد صدق العماد في مدحه حيث يقول:

وللنّاس بالملك النّاصر الصّلا … ح صلاحٌ ونصرٌ كبير

هو الشّمس أفلاكه في البلا … د ومطلعه سرجه والسّرير

إذا ما سطا أو حبا واحتبى … فما اللّيث من حاتمٍ ما ثبير

قال ابن خلكان: بلغني أن صلاح الدين قدم به أبوه وهو رضيع، فناب أبوه ببعلبك إلى آخذها أتابك زنكي، وقيل: إنهم خرجوا من تكريت في ليلة مولد صلاح الدين، فتطيروا به، فقال شيركوه أو غيره: لعل فيه الخير وأنتم لا تعلمون. إلى أن قال: وكان شيركوه أرفع منزلةً عند نور الدين، فإنه كان مقدم جيوشه.

وولي صلاح الدين وزارة العاضد، وكانت كالسلطنة، فولي بعد عمه سنة ٥٦٤، ثم مات العاضد سنة ٦٧، فاستقل بالأمر مع مداراة نور الدين ومراوغته، فإن نور الدين عزم على

<<  <  ج: ص:  >  >>