للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قصد مصر؛ ليقيم غير صلاح الدين، ثم فتر، ولما مات نور الدين، أقبل صلاح الدين ليقيم نفسه أتابكًا لولد نور الدين، فدخل البلد بلا كلفة، واستولى على الأمور في ربيع الأول سنة سبعين، ونزل بدار العقيقي، ثم تسلم القلعة، وشال الصبي من الوسط ثم سار، فأخذ حمص، ثم نازل حلب، وهي الوقعة الأولى، فجهز السلطان غازي من الموصل أخاه عز الدين مسعودًا في جيش، فرحله، وقدم حمص، فأقبل مسعود ومعه الحلبيون، فالتقوا على قرون حماة، فانهزم مسعود، وأسر أمراؤه، وساق صلاح الدين، فنازل حلب ثانيًا، فصالحوه ببذل المعرة وكفرطاب، وبلغ غازي كسرة أهله وأخيه، فعبر الفرات، وقدم حلب، فتلقاه ابن عمه الملك الصالح، ثم التقوا هم وصلاح الدين، فكانت وقعة تل السلطان، ونصر صلاح الدين أيضًا، ورجع صاحب الموصل. ثم أخذ صلاح الدين منبج وعزاز، ونازل حلب ثالثًا، فأخرجوا إليه بنت نور الدين، فوهبها عزاز. ورد إلى مصر، واستناب على دمشق أخاه صاحب اليمن تورانشاه، ثم خرج من مصر سنة ثلاث وسبعين، فالتقى الفرنج، فانكسر.

ثم في سنة تسع وسبعين نازل حلب، وأخذها، وعوض عنها عماد الدين زنكي بسنجار وسروج، ورتب بحلب ولده الملك الظاهر. ثم حاصر الكرك، وجاءت إمدادات الفرنج.

وفي شعبان سنة إحدى وثمانين نازل صلاح الدين الموصل، وترددت الرسل بينه وبين صاحبها عز الدين، وتمرض، وتأخر إلى حران، واشتد مرضه، وحلفوا لأولاده بأمره، وأوصى عليهم أخاه العادل، ثم مر بحمص، وقد مات صاحبها ناصر الدين محمد، ابن عمه، فأعطاها لولده المجاهد شيركوه وله ثنتا عشرة سنةً.

وفي سنة ثلاث وثمانين افتتح صلاح الدين بلاد الفرنج، وقهرهم، وأباد خضراءهم، وأسر ملوكهم على حطين. وكان قد نذر أن يقتل أرناط صاحب الكرك، فأسره يومئذ، كان قد مر به قوم من مصر في حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبي ، وقتلهم، فاستحضر صلاح الدين الملوك، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب ثلج، فشرب، فناول أرناط، فشرب، فقال السلطان للترجمان: قل لجفري: أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته، ثم استحضر البرنس أرناط في مجلس آخر، وقال: أنا أنتصر لمحمد منك، ثم عرض عليه الإسلام، فأبى، فحل كتفه بالنيمجاه (١). وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك، وطار صيته في الدنيا، وهابته الملوك.


(١) النيمجاء: خنجر مقوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>