سمعناه عليها قال لي بعض الحاضرين: إنها سمعت "معجم ابن المقرئ" فأخذنا النسخة من خباز، وسمعناه، وبعد أيام ناولني بعض الإخوان "مسند أبي يعلى" سماعها، فسمعناه.
مجالسه:
كان ﵀ يقرأ الحديث يوم الجمعة بجامع دمشق وليلة الخميس، ويجتمع خلق، وكان يقرأ ويبكي ويبكي الناس كثيرًا، حتى إن من حضره مرة لا يكاد يتركه، وكان إذا فرغ دعا دعاءً كثيرًا.
سمعت شيخنا ابن نجا الواعظ بالقرافة يقول على المنبر: قد جاء الإمام الحافظ، وهو يريد أن يقرأ الحديث، فاشتهى أن تحضروا مجلسه ثلاث مرات، وبعدها أنتم تعرفونه وتحصل لكم الرغبة، فجلس أول يوم، وحضرت، فقرأ أحاديث بأسانيدها حفظًا، وقرأ جزءًا، ففرح الناس به، فسمعت ابن نجا يقول: حصل الذي كنت أريده في أول مجلس.
وسمعت بعض من حضر يقول: بكى الناس حتى غُشِيَ على بعضهم، وكان يجلس بمصر بأماكن.
سمعت محمود بن همام الأنصاري يقول: سمعت الفقيه نجم بن عبد الوهاب الحنبلي يقول وقد حضر مجلس الحافظ: يا تقي الدين، والله لقد حملت الإسلام، ولو أمكنني ما فارقت مجلسك.
أوقاته:
كان لا يضيع شيئًا من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر، ويلقن القرآن، وربما أقرأ شيئًا من الحديث تلقينًا، ثم يقوم فيتوضأ، ويصلي ثلاث مائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر، وينام نومة ثم يصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع، أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائمًا أفطر، وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء، وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنسانًا يوقظه، فيصلي لحظةً ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ربما توضأ سبع مرات أو ثمانيًا في الليل، وقال: ما تطيب لي الصلاة إلَّا ما دامت أعضائي رطبة، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، وهذا دأبه.
أخبرني خالي موفق الدين قال: كان الحافظ عبد الغني جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خير إلَّا سبقني إليه إلَّا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، ورزق العلم، وتحصيل الكتب الكثيرة، إلَّا أنه لم يعمر.