قال أخوه الشيخ العماد: ما رأيت أحدًا أشد محافظة على وقته من أخي.
قال الضياء: وكان يستعمل السواك كثيرًا حتى كأن أسنانه البرد.
سمعت محمود بن سلامة التاجر الحراني يقول: كان الحافظ عبد الغني نازلًا عندي بأصبهان، وما كان ينام من الليل إلَّا قليلًا، بل يصلي ويقرأ ويبكي.
وسمعت الحافظ يقول: أضافني رجل بأصبهان، فلما تعشينا، كان عنده رجل أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يصل، فقلت: ما له? قالوا: هذا رجل شمسي. فضاق صدري، وقلت للرجل: ما أضفتني إلَّا مع كافر! قال: إنه كاتب، ولنا عنده راحة، ثم قمت بالليل أصلي، وذاك يستمع، فلما سمع القرآن تزفر، ثم أسلم بعد أيام، وقال: لما سمعتك تقرأ، وقع الإسلام في قلبي.
وسمعت نصر بن رضوان المقرئ يقول: ما رأيت أحدًا على سيرة الحافظ، كان مشتغلًا طول زمانه.
قيامه في المنكر:
كان لا يرى منكرًا إلَّا غيره بيده أو بلسانه، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم. قد رأيته مرة يهريق خمرًا، فجبذ صاحبه السيف فلم يخف منه، وأخذه من يده، وكان قويًا في بدنه، وكثيرًا ما كان بدمشق ينكر ويكسر الطنابير والشبابات.
قال خالي الموفق: كان الحافظ لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه، وكنا مرة أنكرنا على قوم، وأرقنا خمرهم، وتضاربنا، فسمع خالي أبو عمر، فضاق صدره، وخاصمنا، فلما جئنا إلى الحافظ طيب قلوبنا، وصوب فعلنا وتلا: ﴿وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ [لقمان: ١٧].
وسمعت أبا بكر بن أحمد الطحان، قال: كان بعض أولاد صلاح الدين قد عملت لهم طنابير، وكانوا في بستان يشربون، فلقي الحافظ الطنابير، فكسرها. قال: فحدثني الحافظ، قال: فلما كنت أنا وعبد الهادي عند حمام كافور، إذا قوم كثير معهم عصي، فخففت المشي، وجعلت أقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما صرت على الجسر، لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كسرت لكم شيئًا، هذا هو الذي كسر. قال: فإذا فارس يركض، فترجل، وقبل يدي، وقال: الصبيان ما عرفوك. وكان قد وضع الله له هيبةً في النفوس.