قال الضياء: ما أعرف أحدًا من أهل السنة رآه إلَّا أحبه ومدحه كثيرًا؛ سمعت محمود بن سلامة الحراني بأصبهان، قال: كان الحافظ يصطف الناس في السوق ينظرون إليه، ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها، لملكها.
قال الضياء: ولما وصل إلى مصر، كنا بها، فكان إذا خرج للجمعة لا نقدر نمشي معه من كثرة الخلق، يتبركون به، ويجتمعون حوله، وكنا أحداثًا نكتب الحديث حوله، فضحكنا من شيء، وطال الضحك، فتبسم ولم يحرد علينا، وكان سخيًا، جوادًا، لا يدخر دينارًا ولا درهمًا مهما حصل أخرجه، لقد سمعت عنه: أنه كان يخرج في الليل بقفاف الدقيق إلى بيوت متنكرًا في الظلمة، فيعطيهم ولا يعرف، وكان يفتح عليه بالثياب، فيعطي الناس وثوبه مرقع.
قال خالي الشيخ موفق الدين: كان الحافظ يؤثر بما تصل يده إليه سرًا وعلانية، ثم سرد حكايات في إعطائه جملة دراهم لغير واحد.
قال: وسمعت بدر بن محمد الجزري يقول: ما رأيت أحدًا أكرم من الحافظ؛ كنت أستدين يعني لأطعم به الفقراء، فبقي لرجل عندي ثمانية وتسعون درهمًا، فلما تهيأ الوفاء، أتيت الرجل، فقلت: كم لك؟ قال: ما لي عندك شيء! قلت: من أوفاه؟ قال: قد أوفى عنك، فكان وفاه الحافظ وأمره أن يكتم عليه.
وسمعت سليمان الأسعردي يقول: بعث الأفضل ابن صلاح الدين إلى الحافظ بنفقة وقمح كثير، ففرقه كله.
وسمعت أحمد بن عبد الله العراقي؛ حدثني منصور الغضاري، قال: شاهدت الحافظ في الغلاء بمصر وهو ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوي. رأيت يومًا قد أهدي إلى بيت الحافظ مشمش فكانوا يفرقون، فقال من حينه، فرقوا: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢].
وقد فتح له بكثير من الذهب وغيره، فما كان يترك شيئًا حتى قال لي ابنه أبو الفتح: والدي يعطي الناس الكثير، ونحن لا يبعث إلينا شيئًا، وكنا ببغداد.