الدين الزنجاري، فقال لي السلطان: نحن في أمر الحافظ، فقال: أيها الملك، القوم يحسدونه، وهذا الشيخ بيننا -يعني: شيخ الشيوخ- وحلفته هل سمعت من الحافظ كلامًا يخرج عن الإسلام؟ فقال: لا والله، وما سمعت عنه إلَّا كل جميل، وما رأيته. وتكلم ابن الزنجاري فمدح الحافظ كثيرًا وتلامذته، وقال: أنا أعرفهم، ما رأيت مثلهم، فقلت: وأنا أقول شيئًا آخر: لا يصل إليه مكروه حتى يقتل من الأكراد ثلاثة آلاف، قال: فقال: لا يؤذى الحافظ، فقلت: اكتب خطك بذلك، فكتب.
وسمعت بعض أصحابنا يقول: إن الحافظ أمر أن يكتب اعتقاده، فكتب: أقول كذا؛ لقول الله كذا، وأقول كذا؛ لقول الله كذا ولقول النبي ﷺ كذا، حتى فرغ من المسائل التي يخالفون فيها، فلما رآها الكامل قال: أيش أقول في هذا يقول بقول الله وقول رسوله ﷺ! ?
قلت: وذكر أبو المظفر الواعظ في "مرآة الزمان"، قال: كان الحافظ عبد الغني يقرأ الحديث بعد الجمعة، قال: فاجتمع القاضي محيي الدين، والخطيب ضياء الدين، وجماعة، فصعدوا إلى القلعة، وقالوا لواليها: هذا قد أضل الناس، ويقول بالتشبيه، فعقدوا له مجلسًا، فناظرهم، فاخذوا عليه مواضع منها: قوله: لا أنزهه تنزيهًا ينفي حقيقة النزول، ومنها: كان الله ولا مكان، وليس هو اليوم على ما كان، ومنها: مسألة الحرف والصوت، فقالوا: إذا لم يكن على ما كان فقد أثبت له المكان، وإذا لم تنزهه عن حقيقة النزول فقد جوزت عليه الانتقال، وأما الحرف والصوت فلم يصح عن إمامك، وإنما قال إنه كلام الله، يعني غير مخلوق، وارتفعت الأصوات، فقال والي القلعة الصارم برغش: كل هؤلاء على ضلالة وأنت على الحق؟ قال: نعم. فأمر بكسر منبره.
قال: وخرج الحافظ إلى بعلبك، ثم سافر إلى مصر إلى أن قال: فأفتى فقهاء مصر بإباحة دمه، وقالوا: يفسد عقائد الناس، ويذكر التجسيم، فكتب الوزير بنفيه إلى المغرب، فمات الحافظ قبل وصول الكتاب.
قال: وكان يصلي كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، ويقوم الليل، ويحمل ما أمكنه إلى بيوت الأرامل واليتامى سرًا، وضعف بصره من كثرة البكاء والمطالعة، وكان أوحد زمانه في علم الحديث.
وقال أيضًا: وفي ذي القعدة سنة ست وتسعين وخمس مائة كان ما اشتهر من أمر الحافظ عبد الغني وإصراره على ما ظهر من اعتقاده وإجماع الفقهاء على الفتيا بتكفيره،