وأنه مبتدع لا يجوز أن يترك بين المسلمين، فسأل أن يمهل ثلاثة أيام لينفصل عن البلد فأجيب.
قلت: قد بلوت على أبي المظفر المجازفة وقلة الورع فيما يؤرخه -والله الموعد- وكان يترفض، رأيت له مصنفًا في ذلك فيه دواه، ولو أجمعت الفقهاء على تكفيره -كما زعم- لما وسعهم إبقاؤه حيًا، فقد كان على مقالته بدمشق أخوه الشيخ العماد والشيخ موفق الدين، وأخوه القدوة الشيخ أبو عمر، والعلامة شمس الدين البخاري، وسائر الحنابلة، وعدة من أهل الأثر، وكان بالبلد أيضًا خلق من العلماء لا يكفرونه، نعم، ولا يصرحون بما أطلقه من العبارة لما ضايقوه، ولو كف عن تلك العبارات، وقال بما وردت به النصوص لأجاد ولسلم، فهو الأولى، فما في توسيع العبارات الموهمة خير، وأسوأ شيء قاله أنه ضلل العلماء الحاضرين، وأنه على الحق، فقال كلمة فيها شر وفساد وإثارة للبلاء، رحم الله الجميع وغفر لهم، فما قصدهم إلَّا تعظيم الباري ﷿ من الطرفين، ولكن الأكمل في التعظيم والتنزيه الوقوف مع ألفاظ الكتاب والسنة، وهذا هو مذهب السلف ﵃.
وبكل حال فالحافظ عبد الغني من أهل الدين والعلم والتأله والصدع بالحق، ومحاسنه كثيرة، فنعوذ بالله من الهوى والمراء والعصبية والافتراء، ونبرأ من كل مجسم ومعطل.
من فراسة الحافظ وكراماته:
قال الحافظ الضياء: سمعت الحافظ أبا موسى بن عبد الغني يقول: كنت عند والدي بمصر، وهو يذكر فضائل سفيان الثوري، فقلت في نفسي: إن والدي مثله، فالتفت إلي، وقال: أين نحن من أولئك؟
سمعت نصر بن رضوان المقرئ يقول: كان منبر الحافظ فيه قصر، وكان الناس يشرفون إليه، فخطر لي لو كان يعلى قليلًا، فترك الحافظ القراءة من الجزء، وقال: بعض الإخوان يشتهي أن يعلى هذا المنبر قليلًا، فزادوا في رجليه.
سمعت أبا موسى ابن الحافظ، حدثني أبو محمد أخو الياسميني، قال: كنت يومًا عند والدك، فقلت في نفسي: أشتهي لو أن الحافظ يعطيني ثوبه حتى أكفن فيه. فلما أردت القيام خلع ثوبه الذي يلي جسده وأعطانيه، وبقي الثوب عندنا كل من مرض تركوه عليه فيعافى.