سمعت الرضي عبد الرحمن المقدسي يقول: كنت عند الحافظ بالقاهرة، فدخل رجل، فسلم، ودفع إلى الحافظ دينارين، فدفعهما الحافظ إلي، وقال: ما كأن قلبي يطيب بهما، فسألت الرجل: أيش شغلك؟ قال: كاتب على النطرون، يعني وعليه ضمان.
حدثني فضائل بن محمد بن علي بن سرور بجماعيل، حدثني ابن عمي بدران بن أبي بكر، قال: كنت مع الحافظ -يعني: في الدار التي وقفها عليه يوسف المسجف- وكان الماء مقطوعًا، فقام في الليل، وقال: املأ لي الإبريق، فقضى الحاجة، وجاء فوقف، وقال: ما كنت أشتهي الوضوء إلَّا من البركة، ثم صبر قليلًا فإذا الماء قد جرى، فانتظر حتى فاضت البركة، ثم انقطع الماء، فتوضأ، فقلت: هذه كرامة لك، فقال لي: قل أستغفر الله، لعل الماء كان محتبسًا، لا تقل هذا!
وسمعت الرضي عبد الرحمن يقول: كان رجل قد أعطى الحافظ جاموسًا في البحرة فقال لي: جئ به وبعه، فمضيت فأخذته فنفر كثيرًا وبقي جماعة يضحكون منه، فقلت: اللهم ببركة الحافظ سهل أمره فسقته مع جاموسين، فسهل أمره، ومشى فبعته بقرية.
وفاته:
سمعت أبا موسى يقول: مرض أبي في ربيع الأول مرضًا شديدًا منعه من الكلام والقيام، واشتد ستة عشر يومًا، وكنت أسأله كثيرًا: ما يشتهي؟ فيقول: أشتهي الجنة، أشتهي رحمة الله، لا يزيد على ذلك، فجئته بماء حار فمد يده فوضأته وقت الفجر، فقال: يا عبد الله قم صل بنا وخفف، فصليت بالجماعة، وصلى جالسًا، ثم جلست عند رأسه، فقال: اقرأ يس، فقرأتها، وجعل يدعو وأنا أؤمن، فقلت: هنا دواء تشربه، قال: يا بني! ما بقي إلَّا الموت. فقلت: ما تشتهي شيئًا؟ قال: أشتهي النظر إلى وجه الله -سبحانه. فقلت: ما أنت عني راض؟ قال: بلى والله، فقلت: ما توصي بشيء؟ قال: ما لي على أحد شيء، ولا لأحد علي شيء، قلت: توصيني؟ قال: أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته، فجاء جماعة يعودونه، فسلموا، فرد عليهم، وجعلوا يتحدثون، فقال: ما هذا؟ اذكروا الله، قولوا لا إله إلَّا الله، فلما قاموا جعل يذكر الله بشفتيه، ويشير بعينيه، فقمت لأناول رجلًا كتابًا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه، ﵀، وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول، سنة ست مائة، وبقي ليلة الثلاثاء في المسجد واجتمع الخلق من الغد، فدفناه بالقرافة.