وحصل له مال بسبب الحديث، وعاد حنبل فأقام يعمل تجارة بما حصل، فسلك ابن طبرزذ سبيله في استعمال كاغد وعتابي، فمرض مدة، ومات ورجع ما حصل له إلى بيت المال كحنبل.
قال ابن النجار: هو آخر من حدث عن: ابن الحصين، وابن البناء، وابن ملوك، وهبة الله الواسطي، وابن الزاغوني، وأبي بكر وعمر؛ ابني أحمد بن دحروج، وعلي بن طراد، وطلب من الشام فتوجه إليها، وأقام بدمشق مدة طويلةً، وحصل مالًا حسنًا، وعاد إلى بغداد، فأقام يحدث، سمعت منه الكثير، وكان يعرف شيوخه ويذكر مسموعاته، وكانت أصوله بيده، وأكثرها بخط أخيه، وكان يؤدب الصبيان، ويكتب خطًا حسنًا، ولم يكن يفهم شيئًا من العلم، وكان متهاونًا بأمور الدين، رأيته غير مرة يبول من قيام، فإذا فرغ من الإراقة، أرسل ثوبه وقعد من غير استنجاء بماء ولا حجر.
قلت: لعله يرخص بمذهب من لا يوجب الاستنجاء.
قال: وكنا نسمع منه يومًا أجمع، فنصلي ولا يصلي معنا، ولا يقوم لصلاة، وكان يطلب الأجر على رواية الحديث، إلى غير ذلك من سوء طريقته، وخلف ما جمعه من الحطام، لم يخرج منه حقًا لله ﷿.
وسمعت القاضي أبا القاسم ابن العديم يقول: سمعت عبد العزيز بن هلالة يقول، -وغالب ظني أنني سمعته من ابن هلالة بخراسان، قال: رأيت عمر بن طبرزذ في النوم بعد موته وعليه ثوب أزرق، فقلت له: سألتك بالله ما لقيت بعد موتك؟ فقال: أنا في بيت من نار، داخل بيت من نار. فقلت: ولم؟ قال: لأخذ الذهب على حديث رسول الله ﷺ.
قلت: الظاهر أنه أخذ الذهب وكنزه ولم يزكه، فهذا أشد من مجرد الأخذ، فمن أخذ من الأمراء والكبار بلا سؤال وهو محتاج، فهذا مغتفر له، فإن أخذ بسؤال رخص له بقدر القوت، وما زاد فلا، ومن سأل وأخذ فوق الكفاية ذم، ومن سأل مع الغنى والكفاية حرم عليه الأخذ، فإن أخذ المال والحالة هذه وكنزه ولم يؤد حق الله فهو من الظالمين الفاسقين، فاستفت قلبك، وكن خصمًا لربك على نفسك.
وأما تركه الصلاة فقد سمعت ما قيل عنه، وقد سمعت أبا العباس ابن الظاهري يقول: كان ابن طبرزذ لا يصلي.
وأما التخليط من قبيل الرواية، فغالب سماعاته منوط بأخيه المفيد أبي البقاء، وبقراءته وتسميعه له، وقد قال ابن النجار: قال عمر بن المبارك بن سهلان: لم يكن أبو البقاء بن طبرزذ ثقة، كان كذابًا يضع للناس أسماءهم في الأجزاء، ثم يذهب فيقرأ عليهم، عرف بذلك شيخنا عبد الوهاب، ومحمد بن ناصر وغيرهما.
قلت: عاش أبو البقاء نحوًا من أربعين سنة، ومات في سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة، وتوفي أبو حفص بن طبرزذ في تاسع رجب، سنة سبع وست مائة، ودفن بباب حرب، -والله يسامحه- فمع ما أبدينا من ضعفه قد تكاثر عليه الطلبة، وانتشر حديثه في الآفاق، وفرح الحفاظ بعواليه، ثم في الزمن الثاني تزاحموا على أصحابه، وحملوا عنهم الكثير، وأحسنوا به الظن، والله الموعد، ووثقه ابن نقطة.