للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مثله. قيل: كان ربما تهجد، فإن نعس ضرب على رجليه بقضيب حتى يطير النعاس. وكان يكثر الصيام، ولا يكاد يسمع بجنازة إلَّا شهدها، ولا مريض إلَّا عاده، ولا جهاد إلَّا خرج فيه، ويتلو كل ليلة سبعًا مرتلًا في الصلاة، وفي النهار سبعًا بين الصلاتين، وإذا صلى الفجر تلا آيات الحرس ويس والواقعة وتبارك، ثم يقرئ ويلقن إلى ارتفاع النهار، ثم يصلي الضحى، فيطيل ويصلي طويلًا بين العشائين، ويصلي صلاة التسبيح كل ليلة جمعة، ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فقيل: كانت نوافله في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة. وله أذكار طويلة، ويقرأ بعد العشاء آيات الحرس، وله أوراد عند النوم واليقظة، وتسابيح، ولا يترك غسل الجمعة، وينسخ الخرقي من حفظه، وله معرفة بالفقه والفرائض. وكان قاضيًا لحوائج الناس، ومن سافر من الجماعة يتفقد أهاليهم، وكان الناس يأتونه في القضايا فيصلح بينهم، وكان ذا هيبة ووقع في النفوس.

قال الشيخ الموفق: ربانا أخي، وعلمنا، وحرص علينا، كان للجماعة كالوالد يحرص عليهم ويقوم بمصالحهم، وهو الذي هاجر بنا، وهو سفرنا إلى بغداد، وهو الذي كان يقوم في بناء الدير، وحين رجعنا زوجنا، وبنى لنا دورًا خارج الدير، وكان قلما يتخلف عن غزاة.

قال الشيخ الضياء: لما جرى على الحافظ عبد الغني محنته، جاء أبا عمر الخبر، فخر مغشيًا عليه، فلم يفق إلَّا بعد ساعة، وكان كثيرًا ما يتصدق ببعض ثيابه، وتكون جبته في الشتاء بلا قميص، وربما تصدق بسراويله، وكانت عامته قطعة بطانة، فإذا احتاج أحد إلى خرقة، قطع له منها، يلبس الخشن، وينام على الحصير، وربما تصدق بالشيء وأهله محتاجون إليه، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكمه إلى رسغه، سمعت أمي تقول: مكثنا زمانًا لا يأكل أهل الدير إلَّا من بيت أخي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تتصدقوا من يتصدق عنكم، والسائل إن لم تعطوه أنتم أعطاه غيركم، وكان هو وأصحابه في خيمة على حصار القدس فزاره الملك العادل، فلم يجده، فجلس ساعة، وكان الشيخ يصلي فذهبوا خلفه مرتين فلم يجئ، فأحضروا للعادل أقراصاُ فأكل وقام وما جاء الشيخ.

قال الصريفيني: ما رأيت أحدًا قط ليس عنده تكلف غير الشيخ أبي عمر.

قال الشيخ العماد: سمعت أخي الحافظ يقول: نحن إذا جاء أحد اشتغلنا به عن عملنا، وإن خالي أبو عمر فيه للدنيا والآخرة يخالط الناس ولا يخلي أوراده.

قلت: كان يخطب بالجامع المظفري، ويبكي الناس، وربما ألف الخطبة، وكان يقرًا الحديث سريعًا بلا لحن، ولا يكاد أحد يرجع من رحلته إلَّا ويقرأ عليه شيئًا من سماعه، وكتب

<<  <  ج: ص:  >  >>