فيها غلظة جبرت عي الأقلام، وسدت [خلل] الكلام، وعلى الملوك الضمان في هذه النكتة، وقد فات لسان القلم أي سكتة.
قلت: وكان سائسًا، صائب الرأي، سعيدًا، استولى على البلاد، وامتدت أيامه، وحكم على الحجاز، ومصر، والشام، واليمن، وكثير من الجزيرة، وديار بكر، وأرمينية. وكان خليقًا للملك، حسن الشكل، مهيبًا، حليمًا، دينًا، فيه عفة وصفح وإيثار في الجملة. أزال الخمور والفاحشة ف بعض أيام دولته، وتصدق بذهب كثير في قحط مصر حتى قيل: إنه كفن من الموتى ثلاث مائة ألف، والعهدة على سبط الجوزي في هذه.
وسيرته مع أولاد أخيه مشهورة، ثم لم يزل يراوغهم ويلقي بينهم حتى دحاهم، وتمكن واستولى على ممالك أخيه، وأبعد الأفضل إلى سميساط، وودع الظاهر وكاسر عنه لكون بنته زوجته، وبعث على اليمن حفيده المسعود أطسز ابن الكامل، وناب عنه بميافارقين ابنه الأوحد، فاستولى على أرمينية. ثم إنه قسم الممالك بين أولاده، وكان يصيف بالشام غالبً ويشتو بمصر.
جاءته خلع السلطنة من الناصر لدين الله وهي: جبة سوداء بطرز ذهب وجواهر في الطوق، وعمامة سوداء مذهبة، وطرق، وسيف، وحصان بمركب ذهب، وعلم أسود، وعدة خلع لبنيه مع السهروردي، فقرئ تقليده على كرسي، قرأه وزيره، وخوطب فيه: بالعادل شاه أرمن ملك الملوك خليل أمير المؤمنين.
وخاف من الفرنج فصالحهم، وهادنهم، وأعطاهم مغل الرملة ولد، وسلم إليهم يافا، فقويت نفوسهم، فالأمر لله.
ثم أمر بتجديد قلعة دمشق، وألزم كل ملك من آله بعمارة برج في سنة أربع وست مائة، وعمر عدة قلاع.
قال الموفق عبد اللطيف: كان أعمق إخوته فكرًا، وأطولهم عمرًا، وأنظرهم في العواقب، وأحبهم للدرهم، وكان فيه حلم وأناة وصبر على الشدائد، سعيد الجد، عالي الكعب، مظفرًا، أكولًا، نهمًا، يأكل من الحلواء السكرية رطلًا بالدمشقي، وكان كثير الصلاة، ويصوم الخميس، يكثر الصدقة عند نزول الآفات، وكان قليل المرض، لقد أحضر إليه أربعون حملًا من البطيخ فكسر الجميع وبالغ في الأكل فحم يومًا. وكان كثير التمتع بالجواري، ولا يدخل عليهن خادمًا إلَّا دون البلوغ.
نجب له عدة أولاد سلطنهم، وزوج بناته بملوك الأطراف.