وقال ابن الأثير: سار خوارزم شاه فعبر جيحون بجيوشه فالتقاه طاينكو طاغية الخطا فانهزمت الخطا وأسر ملكهم وأتى به خوترزمشاه فبعث به إلى خوارزم. وعصى صاحب سمرقند على حموه خوارزمشاه، وظلم وتمرد وقتل من عنده من العسكر الخوارزمية، فنازله خوارزم شاه وأخذ منه سمرقند، وبذل فيها السيف، فيقال: قتل بها مئتا ألف مسلم، ثم زحف على القلعة وأسر ملكها فذبحه.
وفي هذا الوقت أول ما سمع بذكر التتار، فخرجوا من أراضيهم بادية الصين، وراء بلاد تركستان، فحاربوا الخطا مرات وقووا بكسرة خوارزم شاه للخطا، وعاثوا. وكان رأسهم يدعى كشلوخان، فكتب ملك الخطا إلى خوارزمشاه. ما جرى بيننا مغفور، فقد أتانا عدو صعب، فإن نصروا علينا فلا دافع لهم عنك، والمصلحة أن تنجدنا، فكتب: ها أنا قادم لنصرتكم، وكاتب كشلوخان: إنني قادم وأما معك على الخطا، فكان بئس الرأي، فأقبل، والتقى الجمعان، ونزل خوارزم شاه بإزائهما يوهم كلًا من الفرقين أنه معه، وأنه كمين له، فوقعت الكسرة على الخطا فمال خوارزم شاه حينئذ معينًا لكشلوخان، واستحر القتل بالخطا، ولجؤوا إلى رؤوس الجبال، وانضم منهم خلق إلى خوارزم شاه، وخضع له كشلوخان، وقال: نتقاسم مملكة الخطا، فقال خوارزم شاه: بل البلاد لي، وسار لحربه، ثم سار لحربه، ثم تبين له قوة التتار، فأخذ يراوغهم، ويكسبهم، فبعث إليه كشلو: ما ذا فعل ملك، ذا فعل اللصوص، فإن كنت ملكًا فاعمل مصافاُ، فلم يجبه، وأمر أهل فرغانة والشاش ومدائن الترك بالجفل إلى بخارى وسمرقند، وخرب المدائن ودحاها عجزًا عن حفظها منهم.
ثم خرج على كشلوخان الطاغية جنكزخان، فتحاربوا مدة، وظفر جنكزخان، وطغى، وتمرد، وأباد البلاد والعباد، وأخذ أقاليم الخطا، وجعل خان بالق دار ملكه، وأفنى الأمم بإقليم الترك وما وراء النهر وخراسان، وهزم الجيوش، وما جرى له فسيرة مفردة، وقد جود وصفهم الموفق البغدادي، فقال: حديثهم حديث يأكل الأحاديث، وخبر ينسي التواريخ، ونازلة تطبق الأرض؛ هذه أمة لغتها مشوبة بلغة الهند لمجاورتهم، عراض الوجوه، واسعوا الصدور، خفاف الأعجاز، صغار الأطراف، سمر، سريعوا الحركة، تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارها إليهم، وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم؛ لأن الغريب لا يشبههم، وإذا أرادوا وجهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة، فتسند لهذا على الناس وجوه الحيل، وتضيق طرق الهرب، ويسبقون التأهب، نساؤهم يقاتلن، يقتلون النساء والولدان بغير استثناء، وربما أبقوا ذا صنعة أو ذا قوة، وغالب سلاحهم النشاب، ويطعنون بالسيوف أكثر مما يضربون بها، جواشنهم من