قال ابن الأثير: ولي، فأظهر العدل والإحسان، وأعاد سنة العمرين، فإنه لو قيل: ما ولي بعد عمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقًا؛ فإنه أعاد من الأموال والأملاك المغصوبة شيئًا كثيرًا، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق، وبإسقاط ما جدده أبوه وكان لا يحصى؛ فمن ذلك بعقوبا خراجها القديم عشرة آلاف دينار، فأخذ منها زمن أبيه ثمانون ألف دينار، فردها، وكان سنجة الخزانة ترجح نصف قيراط في المثقال يأخذون بها ويعطون العادة، فأبطله، ووقع: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١]، وقدم صاحب الديوان من واسط بأكثر من مائة ألف ظلمًا فردها على أربابها، ونفذ إلى الحاكم عشرة آلاف دينار ليوفيها عن المحبوسين، وكان يقول: أنا قد فتحت الدكان بعد العصر فذروني أفعل الخير، فكم بقيت أعيش. وقد أنفق وتصدق في ليلة النحر مائة ألف دينار، وكان نعم الخليفة خشوعًا وخضوعًا، لربه، وعدلًا في رعيته، وازديادًا في وقت من الخير، ورغبة في الإحسان.
قال أبو شامة: كان أبيض جميل الصورة، مشربًا حمرة، حلو المسائل، شديد القوى، استخلف وله اثنتان وخمسون سنة، فقيل له: ألَّا تتنزه؟ قال: قد لقس الزرع، ثم أنه أحسن وفرق الأموال، وأبطل المكوس، وأزال المظالم.
وقال سبط الجوزي: حكي عنه أنه دخل إلى الخزائن، فقال له خادم: في أيامك تمتلئ، قال: ما عملت الخزائن لتملأ، بل لتفرغ وتنفق في سبيل الله، إن الجمع شغل التجار!
وقال ابن واصل: أظهر الظاهر العدل، وأزال المكس، وظهر للناس، وكان أبوه لا يظهر إلَّا نادرًا.
قال ابن الساعي: بايعه أولًا أهله، وأولاد الخلفاء، ثم نائب الوزارة مؤيد الدين القمي، وعضد الدولة ابن الضحاك أستاذ الدار، وقاضي القضاة محيي الدين ابن فضلان، ونقيب الأشراف القوام الموسوي، وجلس يوم الفطر للبيعة بثياب بيض بطرحة وعلى كتفه البرد النبوي، ولفظ البيعة: أبايع مولانا الإمام المفترض الطاعة أبا نصر محمدًا الظاهر بأمر الله على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه. وبعد أيام عزل من القضاء ابن فضلان بأبي صالح نصر بن عبد الرزاق الجيلي، وكان القحط الشديد بالجزيرة والفناء.
وفيها نفذت خلع الملك إلى الكامل والمعظم والأشرف، وكان المعظم قد صافى خوارزم شاه، وجاءته خلعته فلبسها.