قرأت بخط ابن مسدي في "معجمه"، قال: كان والد ابن دحية تاجرًا يعرف بالكلبي -بين الفاء والباء- وهو اسم موضع بدانية، وكان أبو الخطاب أولًا يكتب: الكلبي معًا، إشارة إلى المكان والنسب، وإنما كان يعرف بابن الجميل؛ تصغير جمل. قال: وكان أبو الخطاب علامة زمانه، وقد ولي أولًا قضاء دانية.
قلت: وذكر أن سبب عزل ابن دحية أنه خصى مملوكًا له، فغضب الملك، وهرب ابن دحية. ولفظ ابن مسدي، قال: كان له مملوك يسمى ريحان، فجبه واستأصل أنثييه وزيه وأتى بزامر فأمر بثقب شدقه، فغضب عليه المنصور، وجاءه النذير، فاختفى، ثم سار متنكرًا.
قلت: وكان ممن يترخص في الإجازة، ويطلق عليها "حدثنا". وقد سمع منه أبو عمرو بن الصلاح "الموطأ" بعيد سنة ست مائة. وأخبره به عن جماعة منهم: أبو عبد الله بن زرقون بإجازته من أحمد بن محمد الخولاني، أخبرنا أبو عمرو القيشطالي سماعًا، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله. وقال ابن دحية مرة أخرى: حدثني القاضي علي بن الحسين اللواتي، وابن زرقون قالا: حدثنا الخولاني.
وقد قرأت بخط الحافظ علم الدين القاسم أنه قرأ بخط ابن الصلاح: سمعت "الموطأ" على الحافظ ابن دحية، وحدثنا به بأسانيد كثيرة جدًا، وأقربها ما حدثه به الفقيهان أبو الحسن علي بن حنين الكناني، والمحدث أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي، قالا: حدثنا محمد بن فرج بن الطلاع، وأبو بكر خازم بن محمد، قالا: حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث.
قال ابن الذهبي: لم يلق ابن دحية هذين، وبالجهد أن تكون روايته عنهما إجازة، وكان ببلاد العدوة، لم يكونا بالأندلس، فكان القيسي بمراكش، وكان ابن حنين بفاس، ولمتأخري المغاربة مذهب في إطلاق: حدثنا على الإجازة، وهذا تدليس.
قال التقي عبيد: أبو الخطاب ذو النسبين صاحب الفنون والرحلة الواسعة، له المصنفات الفائقة والمعاني الرائقة، كان معظمًا عند الخاص والعام، سئل عن مولده فقال: سنة ست وأربعين وخمس مائة. وحكي عنه في مولده غير ذلك.
قلت: فقيل: سنة أربع وأربعين وخمس مائة، وقيل: سنة ثمان وأربعين وخمس مائة.
روى عنه بالإجازة شيخانا؛ شرفا الدين أبو الحسين اليونيني، وابن خواجا إمام، وغيرهما.