ثم طلب السلطان حسام الدين، واستنابه بمصر، وبعث على دمشق جمال الدين ابن مطروح، وقدم الشام، فجاء إلى خدمته صاحب حماة المنصور صبي وصاحب حمص، ورجع إلى مصر متمرضًا، وأعدم العادل أخاه سرًا، وله ثمان وعشرون سنة، وحصل له قرحة، ومرض في أنثييه، ثم جاء إلى دمشق عليلًا في محفة لما بلغه أن الحلبيين أخذوا حمص، فبلغه حركة الفرنج لقصد دمياط، فرد في المحفة، ثم خيم بأشمون، وأقبلت الفرنج مع ريذا فرنس، فأمليت دمياط بالذخائر، وأتقنت الشواني، ونزل فخر الدين ابن الشيخ بالجيش على جيزة دمياط وأرست مراكب الفرنج تلقاءهم في صفر سنة سبع وأربعين، ثم طلعوا ونزلوا في البر مع المسلمين ووقع قتال، فقتل الأمير ابن شيخ الإسلام، والأمير الوزيري، فتحول الجيش إلى البر الشرقي الذي فيه دمياط، ثم تقهقروا ووقع على أهل دمياط خذلان عجيب، فهربوا منها طول الليل، حتى لم يبق بها آدمي، وذلك بسوء تدبير ابن الشيخ، هربوا لما رأوا هرب العسكر، وعرفوا مرض السلطان، فدخلتها الفرنج بلا كلفة، مملوءة خيرات وعدة ومجانيق، فلما علم السلطان غضب وانزعج وشنق من مقاتليها ستين، ورد فنزل بالمنصورة في قصر أبيه ونودي بالنفير العام، فأقبل خلائق من المطوعة، وناوشوا الفرنج، وأيس من السلطان. وأما الكرك فذهب الناصر إلى بغداد فسار ولده الأمجد إلى باب السلطان وسلم الكرك إليه فبالغ السلطان في إكرام أولاد الناصر وأقطعهم بمصر.
قال ابن واصل: كان الملك الصالح نجم الدين عزيز النفس أبيها، عفيفًا، حيبًا، طاهر اللسان والذيل، لا يرى الهزل ولا العبث، وقورًا، كثير الصمت، اقتنى من الترك ما لم يشتره ملك، حتى صاروا معظم عسكره، ورجحهم على الأكراد وأمر منهم، وجعلهم بطانته والمحيطين بدهليزه، وسماهم البحرية.
قلت: لكون التجار جلبوهم في البحر من بلاد القفجاق.
قال ابن واصل: حكى لي حسام الدين ابن أبي علي أن هؤلاء المماليك مع فرط جبروتهم وسطوتهم، كانوا أبلغ من يهاب السلطان، وإذا خرج يرعدون منه، وأنه لم يقع منه في حال غضبه كلمة قبيحة قط، وأكثر ما يقول: يا متخلف، وكان كثير الباه بجواريه، ثم لم يكن عنده في الآخر سوى زوجتين الواحدة شجر الدر، والأخرى بنت العالمة تزوجها بعد مملوكه الجوكندار، وكان إذا سمع الغناء لم يتزعزع، لا هو ولا من في مجلسه، وكان لا يستقل أحد من الكبار في دولته بأمر، بل يراجع مع الخدام بالقصص، فيوقع هو ما يعتمده كتاب الإنشاء، وكان يحب أهل الفضل والدين، يؤثر العزلة والانفراد، لكن له نهمة في لعب الكرة، وفي