للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: إن هذا العقد يفسخ ويعقد ثانية بالأجرة الزائدة للمستأجر الأول إذا رغب في ذلك؛ لأنه أحق من غيره أو لغيره إذا لم يقبل الزيادة، وإلى هذا ذهب القول الأصح عند الحنفية؛ لأن عقد الإجارة عندهم ينعقد وقتًا فوقتًا؛ إذ إن المعقود عليه فيه هو المنفعة وهي توجد وقتًا فوقتًا، ولأن من مصلحة الوقف فسخ الإجارة، ولا ضرر على المستأجر؛ لأنه لم يلزم بأكثر من أجرة المثل، وقال الحنفية: إذا زادت أجرة المثل فإذا كانت الزيادة قد حصلت بقصد الإضرار بالمستأجر؛ فلا يعتد بهذه الزيادة ما دامت المدة باقية؛ لأنها زيادة غير مشروعة، وتبقى الأجرة كما هي وقت إبرام العقد (١)، أما إذا كانت قد حصلت لكثرة الرغبة في المستأجر وزيادته في ذاته؛ فإن المسألة تختلف عما إذا كان منشأ الرغبة البناء أو الغرس أو الأعمال التي استحدثها المستأجر لنفسه في الوقف، بحيث لو أُزيلت المستحدثات فإنها لن تؤجر إلا بالأجرة الأولى، فإنه هنا لا يعتد بالزيادة؛ لأن منشأها ملك للمستأجر لا للوقف (٢).

ولكن إذا كان منشأ الرغبة يرجع إلى الوقف ذاته مثل كثرة الحاجة إلى هذا الوقف؛ فإن فقهاء الحنفية قد افترقوا في هذه المسألة إلى فريقين (٣):

١ - الفريق الأول: يرى أن هذه الزيادة لا يُعتد بها؛ فما دام عقد الإجارة قد انعقد صحيحًا فالمعتبر أجرة المثل وقت إبرام العقد، وتكون الإجارة بانعقادها صحيحة لازمة طول مدتها، فلا يضرها تغيُّر الأجرة بزيادة أو نقصان؛ ولأن المستأجر ملك المنفعة في مدة الإجارة بالأجر المسمى، فلا وجه بطلب الزيادة منه.


(١) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٦١٠، والفتاوي الخيرية لنفع البرية خير الدين الرملي، ١/ ٢١٢، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، د. ت، ١/ ٧٥٠.
(٢) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٦١٠، والفتاوي الخيرية لنفع لبرية، خير الدين الرملي، ١/ ١٨٨.
(٣) انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، ٦/ ٦١٠، والعقود الدرية في نقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، ١/ ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>