للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن إرجاع النزاع (١) في ذلك إلى طبيعة نظرهم إلى الوقف، وأنه عمل يتضمن معنى التقرب والعبادة، فيفسر قول الواقف المطلق فيما يحقق القربة كما عليه الحال عند الحنابلة، أو أنه عقد من جملة العقود (٢)، فيحمل فيه كلام الواقف المطلق على ظاهره، حتى ولو اقتضى حرمان بعض طبقات الذرية من غلة الوقف حتى مع حاجتهم إليها، كما هو حال الحنفية، والمالكية، والظاهرية، والإمامية (٣).

والذين يعتبرون الوقف قربة يفسرون شرط الواقف بما يحقق ذلك، فلا يعتبر من الشروط إلا ما يحققها، لأن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلا فيما فيه منفعة في الدين والدنيا، فما دام الإنسان حيًا فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة؛ لأن في ذلك نفعًا معتدًا به مرغوبًا، وأما الميت فلا يبقى له بعد موته من عمل ينتفع به إلا عمل صالح أقر به وأعان عليه أو هدى إليه، فلا يعتد بما ليس طاعة منها، ولا ينتفع به الميت بعد موته، فإذا اشترط الواقف عملًا أو صفة لا ثواب فيها، كان السعي في تحصيلها سعيًا فيما لا نفع فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، ومثله لا يجوز؛ لأن المقصود من الوقف التقرب؛ ولذلك اتجه ابن تيمية (٤) إلى القول ببطلان الشروط التي لا نتحقق منها القربة، وبني على ذلك أمرين:

الأمر الأول: أن الوقف ينفذ بعد الوفاة في أكثر مقاصده إذا كان يتحقق منها فعل القربة، بمعنى إذا كانت مطلوبة من الشرع على جهة الندب والاستحباب، أما ما يكون منها على جهة الإباحة فلا ينفذ؛ لأنه لا يتحقق منه فائدة للميت بعد وفاته وإن تحققت في حياته.


(١) انظر: بحوث وفتاوى فقهية معاصرة، محمد الكردي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ١٩٩٢ م، ٢٣١.
(٢) انظر: بحوث وفتاوى فقهية معاصرة، محمد الكردي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ١٩٩٢ م، ٢٣١.
(٣) انظر: جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ٣٨/ ٧، وهو الأرجح من مذهب الإمامية. واختار العلامة في القواعد اشتراط القرية فيه.
(٤) انظر: الفتاوى الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، ٤/ ١٥٨ - ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>