للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الثاني: أن ما لا قربة فيه من الشروط فلا يجب الوفاء به، وإلى مثله ذهب ابن القيّم حيث قال: "الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحًا، وما كان فيه جنف أو إثم" (١).

وقد قسّم الشروط إلى أربعة فقال: "وبالجملة فشرط الواقفين أربعة أقسام: شروط محرمة في الشرع، وشروط مكروهة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشروط تتضمن ترك ما هو أحب إلى الله ورسوله، وشروط تتضمن فعل ما هو أحب إلى الله تعالى ورسوله، فالأقسام الثلاثة الأُوَل لا حرمه لها ولا اعتبار، والقسم الرابع هو الشرط المتبع الواجب الاعتبار" (٢).

وسُئل عن الواقف إذا ما وقف ماله على أشخاص وارتضاهم ولم يرض بنقله لغيرهم، وإن كان الإنفاق عليهم أفضل من الإنفاق على الموقوف عليهم؛ فأجاب: "الله سبحانه وتعالى ملكه المال، لينتفع به في حياته وإذن له أن يحبسه لينتفع به بعد وفاته، فلم يملكه أن يفعل بعد موته ما كان يفعل به في حياته، بل حجر عليه فيه، وملكه ثلثه يوصي به بما يجوز ويسوغ أن يوصي به حتى إن حاف أو جار أو أثم في وصيته جاز، بل وجب على الوصي والورثة رد ذلك الجور والحيف والإثم، ورفع سبحانه الإثم عمن يرد ذلك الحيف والإثم من الورثة والأوصياء، فهو سبحانه لم يملكه أن يتصرف في تحبيس ماله بعده إلا على وجه يقربه إليه، ويدنيه من رضاه، لا على أي وجه أراد، ولم يأذن الله ولا رسوله للمكلف أن يتصرف في تحبيس ماله بعد على أي وجه أراده أبدًا" (٣).

ومثله ما جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية؛ حيث قال: "ولا يلزم الوفاء بشرط الواقف إلا إذا كان مستحبًا خاصة، وهو ظاهر المذهب أخذًا من قول أحمد في اعتبار القربة في أصل الجهة الموقوف عليها ... " (٤)، وفي شرح منتهى الإرادات:


(١) إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن قيم الجوزية، ٣/ ٨٠.
(٢) المرجع السابق، ٣/ ٨٠ - ٨١.
(٣) المرجع السابق، ٤/ ١٤٢.
(٤) الفتاوى الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، ٥/ ٤٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>