فلو قال الواقف: أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين؛ فلا خلاف في انعقاد الوقف به، ولو قال: صدقة موقوفة؛ فهلال الرأي وأبو يوسف على صحة الوقف به؛ لأنه لما ذكر "صدقة" عرف مصرفه، وانتفى بقوله "موقوفة" احتمال كونه نذرًا، ولو قال: حبس صدقة، أو صدقة محرمة، فهما كصدقة موقوفة، ولو قال: صدقة موقوفة في الحج عني، والعمرة عني؛ يصح الوقف، ولو لم يقل: عني؛ لا يصح الوقف، ولو قال: صدقة لا تباع؛ تكون ندرًا بالصدقة، لا وقفا، ولو زاد: ولا توهب ولا تورث، صارت وقفًا على المساكين، ولو قال: هذه بعد وفاتي صدقة، يتصدق بعينها، أو تباع ويتصدق بثمنها.
وقال المالكية: لفظ الصدقة لا يفيد التأبيد إلا إذا قارنه قيد؛ كقوله: لا يباع ولا يوهب، أو جهة لا تنقطع؛ كصدقة على الفقراء والمساكين وطلبة العلم والمجاهدين، ويسكنونها ويستغلونها، أو على مجهول ولو كان محصورًا؛ كـ: على فلان وعقبه، وغير المحصور؛ كـ: على أهل المدرسة الفلانية أو الرباط الفلاني، فإن كان على معيّن؛ كقوله: هذه صدقة على فلان .. فهي له ملك (١).
وصرّح الشافعية "بأن لفظ: تصدقت بهذه البقعة، ليس بصريح، فإن زاد معه شيئًا، فالزيادة لفظ أو نية؛ فأما اللفظ ففيه أوجه: أصحها: إن قرن به بعض ألفاظ نحو: صدقة محرّمة أو محبسة أو موقوفة، أو قرن به: حكم الوقف، فقال: صدقة لا تباع ولا توهب .. التحق بالصريح؛ لانصرافه بهذا عن التمليك المحض؛ لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف، والوجه الثاني: لا يكفي قوله: صدقة محرمة أو مؤيدة، بل لا بد من التقييد بأنها لا تباع ولا توهب، والثالث: لا
(١) انظر: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، ٦/ ٢٨، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، ٤/ ٨٤، وبلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، ٤/ ١٠٣، وحاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، أبو الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي، دار حصادر، بيروت، ٢/ ٢٦٤.