للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أجمل الأوقاف التي خُصِّصت لأبناء السبيل والغرباء لإيناسهم وإبعاد الوحشة عنهم وقف "مؤنس الغرباء" في مدينة فاس، حيث كان هناك مجموعة من المؤذنين يحيون الليل بالمناوبة، كل منهم يسبح الله نحو ساعة بصوته الرخيم، ويسمى هذا المؤذن "مؤنس الغرياء"، أو "مؤنس المرضى"؛ لأن الغريب والمريض لا يقدر أن ينام في بعض الأحيان، فليس له أنيس أحسن من هذا المؤذن الذي يشجيه بصوته الجميل في تسبيح الباري تعالى في ساعات الليل الأخيرة (١).

ولم يغفل أهل الخير في أوقافهم الحرص على توفير الحمامات للغرباء والفقراء، فقد كان في تونس "وقف للاستحمام" مجانًا للفقراء والغرياء، حيث كان هناك مكان محدد توضع فيه صرة من الدراهم، في كل صرة مقدار أجرة الحمام، فيدخل المحتاج إلى الحمام فيدفعها بعينها ويستحم (٢).

واشتُهر "وقف الخبز" في الغرب الإسلامي؛ فكان في مدينة "تطوان" المغربية - على سبيل المثال - ما يربو على عشرين أسرة، وقف أفرادها أوقافًا من أجل توفير الخبز للمحتاجين صباح يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، ومن هذه الأسر: أسرة العطار، والخطيب، والصفار، واللبادي، وغيرها، كما يوجد في معظم المدن المغربية أوقاف من أجل الخبز الذي يوزع على المحتاجين (٣).

ومن الأوقاف الطريفة في تونس وقف لمن وقع عليه زيت مصباح أو تلوَّث ثوبه بشيء آخر، يذهب لهذا الوقف ويشتري به ثوبًا آخر (٤).


(١) انظر: الحضارة العربية الإسلامية، شوقي أبو خليل، ٣٣٧.
(٢) انظر: المرجع السابق، ٣٣٦.
(٣) انظر: معطيات الحضارة المغربية، عبد العزيز بنعبد الله، ٢/ ٣٣، وقد استمرَّ وقف الخبز في المدن المغربية حتى عام ١٣١٩ هـ/ ١٩٠١ م. انظر: الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية، محمد المكي الناصري، ١٧١.
(٤) انظر: الحضارة العربية الإسلامية، شوقي أبو خليل، ٣٣٦ - ٣٣٧. وعن وقف الملابس انظر: رحلة ابن جبير، ابن جبير، ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>