للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصَّص بعض المغاربة جزءًا من أوقافهم لصالح الحرمين الشريفين، فقد وقفت أم قاسم المرادية السفيانية (١) ثروتها الطائلة لبناء محطات لخدمة الحجاج، وتزويدهم بالماء والطعام والمأوى لهم ولدوابهم من آسفي إلى مكة المكرمة، حيث بنت على بُعد كل بريد (٥٠ كم) فندقًا من طابقين؛ طابق لاستراحة الحجاج وتزويدهم بالأكل والدواء، وطابق للدواب لأكلها واستراحتها ودوائها، وتعويض ما مات منها.

ومن جهتهم، تنافس أهل الأندلس أيضًا في بناء المدارس ووقف الأوقاف لخدمة طلبة العلم، وتعد "المدرسة النصرية" بغرناطة التي وقفها الحاجب رضوان عام ٧٥٠ هـ /١٣٦٩ م، وحبس عليها الأحباس الجليلة (٢) .. من أشهر المراكز التعليمية في الأندلس بعد مسجد قرطبة، وقد حازت هذه المدرسة شهرة واسعة، حتى أجمع المؤرخون تقريبًا على اعتبارها أول المدارس في الأندلس، كما أنها المدرسة الوحيدة التي حُفظت بعض أجزائها إلى يومنا هذا (٣).

وقد حرص واقفو المدارس والكتاتيب والمساجد أن يُلحقوا بكل واحد منها خزانة كتب، فانتشرت المكتبات في الأندلس، وأُثر عن المؤرخ ابن حيان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ / ١٣٤٤ م) أنه كان يعيب على مشتري الكتب، وكان يقول: الله يرزقك عقلًا تعيش به! أنا أي كتاب أردته أستعرته من خزائن الأوقاف وقضيت حاجتي (٤).

ويذكر "المقري" صاحب كتاب "نفح الطيب" أنه وجد في قرطبة وحدها إبان عزّها (٣٥) مكتبة مفتَّحة الأبواب لجميع الناس، أما على مستوى الأندلس فكان فيها على وجه العموم (٧٠) مكتبة عامة تشتمل على آلاف الكتب (٥).


(١) كانت في القرن الثامن الهجري، وهي إحدى الأميرات التي تنحدر من بيت علم ومال، ووالدة قاسم المرادي الذي يعد من أبرز علماء النحو واللغة والتفسير.
(٢) وقد عرفت هذه المدرسة بعدة أسماء منها: المدرسة اليوسفية، ومدرسة غرناطة، والمدرسة العلمية، أنشئت في عهد السلطان الغرناطي أبي الحجاج يوسف الأول (٧٢٣ - ٧٥٥ هـ/ ١٣٣٣ - ١٣٦٥ م). انظر: الإحاطة، ابن الخطيب، ١/ ٥١٦.
(٣) انظر: تاريخ التعليم في الأندلس، محمد عبد الحميد عيسى، القاهرة، دار الفكر الغربي، ١٩٨٢ م، ٣٩٠.
(٤) انظر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ١٩٦٨ م، ٧/ ٣٧٩ - ٣٧٧.
(٥) انظر: شمس العرب تسطع على الغرب، زيغرد هونكة، ترجمة: فاروق بيضون، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ١٩٨٢ م، ٤٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>