إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة قد بعث والأصنام من حول الكعبة تحيط بها وتعلوها، ثم لم يقبل على إزالتها إلا يوم فتح مكة في السنة الثامنة، أي بعد بعثته بواحد وعشرين عاماً، لتقديره صلى الله عليه وسلم أنه لو قام بتحطيمها في أول يوم قبل أن تحطم في داخل النفوس، لأقبلوا على تشيدها وزخرفتها بصورة أعظم وأشنع، وعندها يتفاقم الأمر ويعظم الضرر، ولذا تركها صلى الله عليه وسلم، وأقبل يعد الرجال، ويزكي النفوس، ويطهر القلوب، حتى إذا ما تم له ذلك أقبل بتلك القلوب ليفتح بها مكة ويزيل الأصنام فكان له ما أراد (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الاسراء:٨١).
لكل شيء في الحياة وقته ... وغاية المستعجلين فوته
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم - فيما ترويه عائشة كما في صحيح البخاري-: أنه لولا أن قومها حديثوا عهد بكفر لنقض الكعبة وأعادها على قواعد إبراهيم، وهذا هو الفقه حقا، أعني رفض المنكر بالقلب، ومقاطعته خوفا من أن يؤدي إلى منكر أكبر، مع البحث عن سبيل التغيير، والعزم على أنه حين تتاح الفرصة لتغيره فلن يكون هناك تباطؤ أو توان.
فكن أسدا في جسمه روح ضغيم ... وكم أُسد أرواحهن كلاب
يمنع الليث حماه ان يرى ... ...فيه كلبا عاديا إن زأرا
ليعد الواحد منا نفسه ما دامت الظروف غير ملا ئمة، والفرص غير مواتية، والعواقب غير محمودة، والمقدمات قاصرة، حتى إذا ما لاءم الظرف كان حاله كحال القائل يوم قال:
أنا أبو طلحة وإسمي زيد ... وكل يوم في سلاحي صيد
ثم أنظر وتأمل واعتبر:(ها هي شجرة الصنوبر تثمر بعد ثلاثين سنة، وشجرة الدباء (القرع) تثمر في أسبوعين تسخر الدباء من الصنوبر وتقول: إن الطريق التي تقطعينها في ثلاثين سنة أقطعها في أسبوعين ويقال لي شجرة ولك شجرة. فتقول شجرة الصنوبر: مهلا إلى أن تهب الرياح الخريف.