للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعنى لا تضع العلم عند غير أهله فتجهل، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، من الناس من يطلب العلم لشر كامن ومكر باطن فيستعمله في شبه دينية، وتلبيس دنيء وحيل فقهية فلا يعان على إمضاء مكره وإكمال شره بل مهان غير مكرم يُحرمه، ومنهم من هو بليد الذهن، بعيد الفطنة، فلا يحمل عليه بكثير العلم فيظلم، ولايمنع من اليسير فيحرم، وإنما ينفع سمع الآذان إذا قوي فهم القلوب في الأبدان، وقد صدق القائل ونصح يوم قال:

لا تؤتين العلم إلى إمرءا ... يعين باللب على درسه

ويمنع من كثيره أيضا السفهاء الذين إن سكت لم يسألوك وإن تكلمت لم يعوا عنك وإن رأوا حسنا دفنوه، وإن رأوا سيئا أذاعوه، وإن يعلموا الخير أخفوه، وإن علموا شرا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا، وإن حاورتهم شتموا، وعليك جهلوا.

كحمار السوء إن أشبعته ... رمح الناس وإن جاع نهق

فإذا حملت إلى سفيه حكمة ... فلقد حملت بضاعة لا تنفق

هذا كله يحتاج إلى فراسة وممارسة ومران واختبار يتوسم من خلاله المتعلم حقا من غيره، كفراسة ابن عباس رضي الله عنه يوم قال: ما سألني سائل إلا عرفت أفقيه هو أم غير فقيه. أو كفراسة الأعمش رحمه الله يوم رأى شعبة رحمه الله يحدث قوما يرى أنهم غير أهل للحديث فقال: ويحك يا شعبة تعلق اللؤلؤ على الخنازير.

فإن عناء أن تفهم جاهلا ... فيحسب جهلاً أنه منك أفهم

متى يبلغ البنان يوما تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

فلا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك، إن وضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير اللؤلؤ والجوهر فلكل تربة غرس ولكل بناء أس.

فجرد السيف في يوم يفيد به ... فإن للسيف يوما ثم ينصرم