عرف ذلك العلماء حقا حتى قال قائلهم وهو عكرمة: إن لهذا العلم ثمناً فقدروا له قدره، قيل وما ثمنه؟ قال: أن تضعه عند من يحفظه ولا يضيعه. ورحم الله ابن حزم في ذلك حين قال: (نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم. كإطعامك الحلوى من به احتراق وحمى، أو كتشميمك المسك والعنبر من به صداع من احتدام الصفرا).
قالوا نراك طويل الصمت قلت لهم ... ما طول صمتي من عيّ ولا خرس
أأنشر البز فيمن ليس يعرفه ... أم أنشر الدر بين العمى في الغلس
فمن حوى العلم ثم أودعه ... بجهله غير أهله ظلمه
وكان كالمبتني البناء إذا ... تم له ما أراده هدمه
وقد قالها الشافعي رحمه الله في مصر مدوية عندما كلمة من لا يرى فقه فقال:
أأنثر در بين راعية الغنم ... وأنشر منظوما لراعية النعم
لئن كنت قد ضُيعت في شر بلدة ... فلست مضيعا بينهم غرر الكلم
فإن فرج الله الكريم بلطفه ... وأدركت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم ... وإلا فمخزون لديّ ومكتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وقد أحسن أيضا وحلق يوم قال:
العلم جهل عند أهل الجهل ... كما الجهل جهل عند أهل العلم
ومنزلة الفقيه من السفيه ... كمنزلة السفيه من الفقيه
فهذا زاهد في قرب هذا ... وهذا فيه أزهد منه فيه
فعلى الطريقِ أخي ضع العلم في أهله على تفاوت فالذكي يحتاج إلى الزيادة والبليد يكتفي بالقليل والسفيه يمنع ويزجر وذو الشر يذل ويحرم ولا يعان ويكرم والجميع يذكر ويعظ، (كِل على الطريق لكل سالك بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار) ولكل ثواب لابس ولكل علم قابس.
فلا تكون كمن ألقى رحالته ... على الحمار وخلى صهوة الفرس
وقفة جانبية على الطريق: عرض ولا تصرح فالحال ناطقة.