"٣/ ٤٤٧ - ٤٤٨": قيل: إن كل حديث فيه: يا حميراء، لم يصح، وأوهى ذلك تشميس الماء، وقول النبي ﷺ لها:"لا تفعلى يا حميراء، فإنه يورث البرص". فإنه خبر موضوع. والحمراء في خطاب أهل الحجاز: هي البيضاء بشقرة، وهذا نادر فيهم، ومنه في الحديث: رجل أحمر كأنه من الموالي، يريد القائل: أنه في لون الموالي الذين سُبُوا من نصارى الشام والروم والعجم.
ثم إن العرب إذا قالت: فلان أبيض، فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء، فإن كان في لون أهل الهند، قالوا: أسمر، وآدم، وإن كان في سواد التكرور، قالوا: أسود وكذا كل من غلب عليه السواد، قالوا: أسود أو شديد الأدمة، ومن ذلك قوله ﷺ:"بُعثتُ إلى الأحمر والأسود". فمعنى ذلك أن بني آدم لا ينفكون عن أحد الأمرين، وكل لون بهذا الاعتبار يدور بين السواد والبياض الذي هو الحمرة.
ويبينُ طريقة السَّلَف في الجمع بين التجارة والعبادة فيقول في "السير""٤/ ١٥": الأفضل الجمع بين التجارة، أمَّا ترك التجارة، ولزوم العبادة، فهو طريق جماعة من السَّلَف والصوفية، ولا ريب أن أمزجة الناس تختلف في ذلك، فبعضهم يقوى على الجمع كالصِّدِّيق، وعبد الرحمن بن عوف، وكما كان ابن المبارك، وبعضهم يعجز ويقتصر على العبادة، وبعضهم يقوى في بدايته، ثم يعجز، وبالعكس، وكلٌّ سائغ، ولكن لا بد من النَّهضة بحقوق الزَّوجة والعيال.
ويُبينُ بأسلوب النَّاقد الحاذق بسبب كراهية الشيعة لأبي موسى في أوجز عبارة فيقول في "السير""٤/ ٤٧": لا ريب أنَّ غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى ﵁ لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه عليٌّ على نفسه عزله، وعزل معاوية، وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.
ويبين كتابة المصحف من زيد بن ثابت بأمر أبي بكر، ثم بأمر عثمان بعبارة وجيزة وأسلوب حاذق؛ فيقول في "السير""٤/ ٧٣ - ٧٤": من جلالة زيد بن ثابت أن الصديق اعتمد عليه في كتابة القرآن العظيم في صحف، وجمعه من أفواه الرجال، ومن الأكتاف، والرقاع، واحتفظوا بتلك الصحف مدة، فكانت عند الصديق، ثم تسلمها الفاروق، ثم كانت بعد عند أم المؤمنين حفصة إلى أن ندب عثمان زيد بن ثابت، ونفرًا من قريش إلى كتابة هذا