يا جاعل العلم له بازيا … يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها … بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونًا بها بعدما … كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها … عن ابن عون وابن سيرين
أين رواياتك فيما مضى … في ترك أبواب السلاطين
إن قلت أكرهت فما ذا كذا … زل حمار العلم في الطين
وروى: عبد الله بن محمد قاضي نصيبين، حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، قال: أملى عليَّ ابن المبارك سنة سبع وسبعين ومائة، وأنفذها معي إلى الفضل بن عياض من طرسوس:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا … لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه … فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيلة في باطل … فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا … رهج السنابك (١) والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا … قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في … أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا … ليس الشهيد بميت لا يكذب
فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه، وبكى، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح.
قال ابن سهم الأنطاكي: سمعت ابن المبارك ينشد:
فكيف قرت لأهل العلم أعينهم … أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا
والنار ضاحية لابد موردها … وليس يدرون من ينجو ومن يقع
وطارت الصحف في الأيدي منشرة … فيها السرائر والجبار مطلع
(١) الرهج: الغبار. والسنابك: طرف حوافر الخيل.