وقال ابن عمار: كان حفص لا يرد على أحد حرفًا، يقول: لو كان قلبك فيه، لفهمته. وكان عسرًا في الحديث جدًّا، لقد استفهمه إنسان حرفًا في الحديث، فقال: والله لا سمعتها مني، وأنا أعرفك. وقلت له: ما لكم! حديثكم عن الأعمش إنما هو عن فلان عن فلان، ليس فيه: حدثنا ولا سمعت? قال: فقال: حدثنا الأعمش قال: سمعت أبا عمار، عن حذيفة يقول:"ليأتين أقوام يقرءون القرآن، يقيمونه إقامة القدح، لا يدعون منه ألفًا ولا واوًا، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم". قال: وذكر حديثا آخر مثله، قال: وكان عامة حديث الأعمش عند حفص على الخبر والسماع.
قال ابن عمار: وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث، وإلى أبي معاوية، اعتزل ناحية ولا يسمع منهما، فقلت له? فقال: حفص هو قاض، وأبو معاوية مرجئ يدعو إليه، وليس بيني وبينهم عمل.
قال إبراهيم بن مهدي: سمعت حفص بن غياث، وهو قاض بالشرقية يقول لرجل يسأل عن مسائل القضاء: لعلك تريد أن تكون قاضيًا? لأن يدخل الرجل إصبعه في عينه، فيقتلعها، فيرمي بها، خير له من أن يكون قاضيًا.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت حفص بن غياث يقول: والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة.
ومات يوم مات ولم يخلف درهمًا، وخلف عليه تسعمائة درهم دينًا.
قال سَجَّادة (١): كان يقال: ختم القضاء بحفص بن غياث.
قال سعيد بن سعيد الحارثي، عن طلق بن غَنَّام قال: خرج حفص يريد الصلاة، وأنا خلفه في الزقاق، فقامت امرأة حسناء، فقالت: أصلح الله القاضي، زوجني، فإن إخوتي يضرون بي، فالتفت إليَّ، وقال: يا طلق! اذهب، فزوجها إن كان الذي يخطبها كفؤًا، فإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فلا تزوجه، وإن كان رافضيًّا، فلا تزوجه. فقلت: لم قلت هذا? قال: إن كان رافضيًّا فإن الثلاث عنده واحدة، وإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر، فهو يطلق ولا يدري.
(١) سَجَّادة: هو لقب الحسن بن حماد بن كُسَيب الحضرمي أبي علي البغدادي، صدوق من الطبقة العاشرة، وهي طبقة كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممن لم يلق التابعين روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه.